للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولا مانع من أن يجتمع الشق وكونها ذات نصفين في حالة واحدة، وليس المراد أن انقسامها إلى نصفين كان ثابتًا قبل الشق، وإنما هو معه وبسبه، ومنه قوله تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ﴾ [النحل: ١٢] اهـ. (ثم غرز في كل قبر) منهما (واحدة، فقالوا: يا رسول الله، لِمَ صنعت هذا؟ فقال):

(لعله أن يخفف عنهما) العذاب (ما لم ييبسا) بالمثناة التحتية المفتوحة وفتح الموحدة وكسرها في اليونينية، بالتذكير باعتبار عود الضمير إلى: العودين، و: ما، مصدرية زمانية أي: مدة دوامهما إلى زمن اليبس. و: لعل، بمعنى: عسى، فلذا استعمل استعماله في اقترانه بأن، وإن كان الغالب في: لعل، التجرد. وليس في الجريد معنى يخصه، ولا في الرطب معنى ليس في اليابس، وإنما ذلك خاص ببركة يده الكريمة. ومن ثم استنكر الخطابي وضع الناس الجريد ونحوه على القبر، عملاً بهذا الحديث. وكذلك الطرطوشي في سراج الملوك قائلين: بأن ذلك خاص بالنبي لبركة يده المقدّسة وبعلمه بما في القبور، وجرى على ذلك ابن الحاج في مدخله.

وما تقدم من أن بريدة بن الحصيب أوصى بأن يجعل في قبره جريدتان، محمول على أن ذلك رأي له لم يوافقه أحد من الصحابة عليه، أو: أن المعنى فيه أنه يسبح ما دام رطبًا، فيحصل التخفيف ببركة التسبيح، وحينئذ فيطرد في كل ما فيه رطوبة من الرياحين والبقول وغيرها، وليس لليابس تسبيح، قال تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ [الإسراء: ٤٤] أي: شيء حي، وحياة كل شيء بحسبه، فالخشب ما لم ييبس، والحجر ما لم يقطع من معدنه، والجمهور أنه على حقيقته، وهو قول المحققين، إذ العقل لا يحيله أو: بلسان الحال باعتبار دلالته على الصانع، وأنه منزه. وسبق في باب: من الكبائر أن لا يستتر من بوله من الوضوء، مزيد لما ذكرته هنا.

٨٣ - باب مَوْعِظَةِ الْمُحَدِّثِ عِنْدَ الْقَبْرِ، وَقُعُودِ أَصْحَابِهِ حَوْلَهُ

﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ﴾: الأَجْدَاثُ الْقُبُورُ. ﴿بُعْثِرَتْ﴾: أُثِيرَتْ: بَعْثَرْتُ حَوْضِي: أَىْ جَعَلْتُ أَسْفَلَهُ أَعْلَاهُ. الإِيفَاضُ: الإِسْرَاعُ. وَقَرَأَ الأَعْمَشُ ﴿إِلَى نَصْبٍ﴾: إِلَى شَىْءٍ مَنْصُوبٍ يَسْتَبِقُونَ إِلَيْهِ. وَالنُّصْبُ وَاحِدٌ، وَالنَّصْبُ مَصْدَرٌ. يَوْمُ الْخُرُوجِ مِنَ الْقُبُورِ ﴿يَنْسِلُونَ﴾: يَخْرُجُونَ.

(باب موعظة المحدث عند القبر) الموعظة مصدر ميمي، والوعظ: النصح والإنذار بالعواقب (و) باب (قعود أصحابه) أي أصحاب المحدث (حوله) عند القبر لسماع الموعظة والتذكير بالموت وأحوال الآخرة. وهذا مع ما ينضم إليه من مشاهدة القبور، وتذكر أصحابها، وما كانوا عليه، وما صاروا إليه من أنفع الأشياء لجلاء القلوب، وينفع الميت أيضًا لما فيه من نزول الرحمة عند قراءة القرآن والذكر. قال ابن المنير: لو فطن أهل مصر لترجمة البخاري هذه لقرت أعينهم بما يتعاطونه من جلوس الوعاظ في المقابر، وهو حسن، إن لم يخالطه مفسدة. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>