(ما هذا) وللنسائي: ما بال صاحبكم هذا؟ (فقالوا) أي من حضر من الصحابة، ولابن عساكر قالوا بإسقاط الفاء (صائم فقال): ﵊(ليس من البر) بكسر الباء أي ليس من الطاعة والعبادة (الصوم في السفر) إذا بلغ بالصائم هذا المبلغ من المشقّة ولا تمسك بهذا الحديث لبعض الظاهرية القائلين بأنه لا ينعقد الصوم في السفر لأنه عام خرج على سبب.
فإن قيل: بقصره عليه لم تقم به حجة وإن لم يقل بقصره عليه حمل على من حاله مثل حال الرجل وبلغ به ذلك المبلغ، وحديث صومه ﷺ حتى بلغ الكديد، وحديث فمنا الصائم ومنا المفطر يرد عليهم، وقول الزركشي وتبعه صاحب جمع العدّة لفهم العمدة من في قوله ليس من البر زائدة لتأكيد النفي، وقيل للتبعيض وليس بشيء تعقبه البدر الدماميني فقال: هذا عجيب لأنه أجاز ما المانع منه قائم ومنع ما لا مانع منه، وذلك أن من شروط زيادة من أن يكون مجرورها نكرة وهو في الحديث معرفة، وهذا هو المذهب المعوّل عليه وهو مذهب البصريين خلافًا للأخفش والكوفيين، وأما كونها للتبعيض فلا يظهر لمنعه وجه إذ المعنى أن الصوم في السفر ليس معدودًا من أنواع البر، وأما رواية ليس من امبرامصيام في امسفر بإبدال اللام ميمًا في لغة أهل اليمن فهي في مسند الإمام أحمد لا في البخاري، وحديث الباب رواه مسلم في الصوم وكذا أبو داود والنسائي.
وبالسند قال:(حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن حميد الطويل عن أنس بن مالك)﵁(قال): (كنا نسافر مع النبي ﷺ، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم) أصل لم يعب يعيب فلما سكن للجزم التقى ساكنان فحذفت الياء، وفيه رد على من أبطل صوم المسافر لأن تركهم لإنكار الصوم والفطر يدل على أن ذلك عندهم من التعارف الذي تجب الحجة به. وفي حديث أبي سعيد عند مسلم: كنا نغزو مع رسول الله ﷺ فلا يجد الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم يرون أن من وجد قوّة فصام فإن ذلك حسن، ومن وجد ضعفًا فأفطر فإن ذلك حسن، وهذا التفصيل هو المعتمد وهو نص رافع للنزاع قاله في الفتح. وحديث الباب أخرجه مسلم أيضًا.