رجعنا مع رسول الله "ﷺ من مكة إلى المدينة حتى إذا كنا بماء بالطريق تعجل قوم عند العصر أي قرب دخول وقتها فتوضؤوا وهم عجال الحديث (فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا) بالجمع مقابلة للجمع فالأرجل موزعة على الرجال (فنادى)ﷺ(بأعلى صوته: ويل) دعاء بوادٍ في جهنم (للأعقاب) أي لأصحاب الأعقاب المقصرين في غسلها (من النار) أو العقاب خاص بالأعقاب إذا قصر في غسلها والألف واللام في الأعقاب للعهد أي الأعقاب المرئية إذ ذاك، والعقب مؤخر القدم (مرتين أو ثلاثًا) أي نادى مرتين أو ثلاثًا واستنبط من هذا الحديث الرد على الشيعة القائلين بأن الواجب المسح أخذًا بظاهر قراءة وأرجلكم بالخفض، إذ لو كان الفرض المسح لا توعد عليه بالنار.
لا يقال إن ظاهر رواية مسلم أن الإنكار عليهم إنما هو بسبب الاقتصار على غسل بعض الرجل حيث قال: فانتهينا إليهم وأعقابهم بيض تلوح لم يمسها الماء، لأن هذه الرواية من أفراد مسلم، والأولى ما اتفقا عليه فهي أرجح فتحمل هذه الرواية عليها بالتأويل، فيحتمل أن يكون معنى قوله لم يمسّها الماء أي الغسل جمعًا بين الروايتين، وقد صرّح بذلك في رواية مسلم عن أبي هريرة أن النبي ﷺ رأى رجلاً لم يغسل عقبه، وأيضًا فالقائلون بالمسح لم يوجبوا مسح العقب، وقد تواترت الأخبار عنه ﷺ في صفة وضوئه أنه غسل رجليه وهو المبين لأمر الله تعالى، وقد قال في حديث عمرو بن عنبسة المروي عند ابن خزيمة ثم يغسل قدميه كما أمره الله تعالى، وأما ما روي عن علي وابن عباس وأنس ﵃ من المسح، فقد ثبت عنهم الرجوع عنه. وهذا الحديث قد سبق بسنده في باب من أعاد الحديث ثلاثًا من كتاب العلم إلا أن الراوي الأوّل هناك أبو النعمان وهنا موسى، والله أعلم بالصواب.
هذا (باب المضمضة في الوضوء) بإضافة باب لتاليه، وفي رواية باب بالتنوين المضمضة من الوضوء (قاله) أي ما ذكر من المضمضة (ابن عباس) فيما تقدم موصولاً في الطهارة (وعبد الله بن زيد) أي ابن عاصم فيما يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى في باب غسل الرجلين إلى الكعبين (عن النبي ﷺ).