إنزاله متفرقًا مرة بعد أخرى والإنزال أعمّ من ذلك ومنه قوله تعالى:(إنّا أنزلناه في ليلة القدر﴾ [القدر: ١] فعبّر بالإنزال دون التنزيل لأن القرآن نزل دفعة واحدة إلى سماء الدنيا ثم نزل بعد ذلك شيئًا فشيئًا ومن الثاني قوله تعالى: (﴿وقرآنًا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزّلناه تنزيلاً﴾ [الإسراء: ١٠٦] ويؤيد التفصيل قوله تعالى: (﴿يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل﴾ [النساء: ١٣٦] فإن المراد بالكتاب الأول القرآن وبالثاني ما عداه، والقرآن نزل نجومًا إلى الأرض بحسب الوقائع بخلاف غيره من الكتب، لكن يرد على التفصيل المذكور قوله تعالى: ﴿وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة﴾ [الفرقان: ٣٢] وأجيب: بأنه أطلق نزل موضع أنزل قال: ولولا هذا التأويل لكان متدافعًا لقوله جملة واحدة وهذا بناه على القول بأن نزل المشدد يقتضي التفريق فاحتاج إلى ادّعاء ما ذكر وإلاّ فقد قال غيره إن التضعيف لا يستلزم حقيقة التكثير بل يرد للتعظيم وهو في حكم التكثير يعني فبهذا يندفع الإشكال اهـ. من كتاب فتح الباري وسقط لأبي ذر والأصيلي من قوله: ﴿ولا تخافت بها﴾ إلى قوله: ﴿ولا تجهر بصلاتك﴾.
(باب قول الله تعالى: ﴿يريدون أن يبدلوا كلام الله﴾ [الفتح: ١٥]) قال المفسرون: واللفظ للمدارك أي يريدون أن يغيروا مواعد الله لأهل الحديبية، وذلك أنهم وعدهم أنه يعوّضهم من مغانم مكة مغانم خيبر إذا قفلوا موادعين لا يصيبون منهم شيئًا. وقال ابن بطال: أراد البخاري بهذه الترجمة وأحاديثها ما أراد في الأبواب قبلها أن كلام الله صفة قائمة به وبأنه لم يزل متكلمًا ولا يزال. قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر لي أن غرضه أن كلام الله لا يختص بالقرآن فإنه ليس نوعًا واحدًا وأنه وإن كان غير مخلوق وهو صفة قائمة به فإنه يلقيه على من يشاء من عباده بحسب حاجتهم في الأحكام الشرعية وغيرها من مصالحهم قال: وأحاديث الباب كالمصرّحة بهذا المراد.
وقوله تعالى:(﴿لقول﴾) ولأبي ذر: إنه لقول (﴿فصل﴾) أي (حق ﴿وما هو بالهزل﴾ [الطارق: ١٣ و ١٤]) أي (باللعب) وهذا مأخوذ من قول أبي عبيدة في كتابه المجاز ومن حق القرآن وقد وصفه الله تعالى بهذا أن يكون مهيبًا في الصدور معظمًا في القلوب يترفع به قارئه وسامعه أن يلمّ بهزل أو يتفكّه بمزاح.