(باب ما جاء في عذاب القبر) قد تظاهرت الدلائل من الكتاب والسنة على ثبوته، وأجمع عليه أهل السنة، ولا مانع في العقل أن يعيد الله الحياة في جزء من الجسد، أو في جميعه على الخلاف المعروف، فيثيبه ويعذبه. وإذا لم يمنعه العقل وورد به الشرع وجب قبوله، واعتقاده. ولا يمنع من ذلك كون الميت قد تفرقت أجزاؤه، كما يشاهد في العادة، أو أكلته السباع والطيور وحيتان البحر.
كما أن الله تعالى يعيده للحشر، وهو ﷾، قادر على ذلك، فلا يستبعد تعلق روح الشخص الواحد في آن واحد بكل واحد من أجزائه المتفرقة في المشارق والمغارب. فإن تعلقه ليس على سبيل الحلول حتى يمنعه الحلول في جزء من الحلول في غيره، قال في مصابيح الجامع: وقد كثرت الأحاديث في عذاب القبر، حتى قال غير واحد: إنها متواترة لا يصح عليها التواطؤ وإن لم يصح مثلها لم يصح شيء من أمر الدين.
قال أبو عثمان الحداد وليس في قوله تعالى: إ ﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى﴾ [الدخان: ٥٦] ما يعارض ما ثبت من عذاب القبر، لأن الله تعالى أخبر بحياة الشهداء قبل يوم القيامة، وليست مرادة بقوله تعالى: ﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى﴾ [الدخان: ٥٦] فكذا حياة المقبور قبل الحشر.
قال ابن المنير: وأشكل ما في القضية أنه إذا ثبت حياتهم، لزم أن يثبت موتهم بعد هذه الحياة ليجتمع الخلق كلهم في الموت عند قوله تعالى: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ﴾ [غافر: ١٦] ويلزم تعدد الموت،