عشرون ومائة صف ثمانون منها من هذه الأمة وأربعون منها من سائر الأمم لأنه ليس في حديث الباب الجزم بأنهم نصف أهل الجنة فقط، وإنما هو رجاء رجاه لأمته ثم أعلمه الله تعالى بعد ذلك أن أمته ثلثًا أهل الجنة (فكبرنا) سرورًا بما أنعم الله به تعالى وتكريرًا لإعطاء ربعًا ثم نصفًا لأنه أوقع في النفس وأبلغ في الإكرام مع الحمل لهم على تجديد الشكر. (فقال)﵊: (ما أنتم في الناس) في المحشر (إلا كالشعرة السوداء) بفتح العين (في جلد ثور أبيض) سقط لابن عساكر لفظ جلد (أو كشعرة بيضاء في جلد ثور أسود) وأو للتنويع أو شك من الراوي. وهذا في المحشر كما مرّ. وأما في الجنة فهم نصف الناس هناك أو ثلثاهم كما مرّ.
ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: فإن منكم رجل ومن يأجوج ومأجوج ألف إذ فيه الإِشارة إلى كثرتهم وأن هذه الأمة بالنسبة إليهم نحو عشر العُشر.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التفسير وتأتي بقية مباحثه إن شاء الله تعالى في أواخر الرقاق بعون الله تعالى وقوته.
(باب قول الله تعالى ﴿واتخذ الله إبراهيم خليلا﴾ [النساء: ١٢٥]. الخليل مشتق من الخلة بالفتح وهي الحاجة سميت خلة للاختلال الذي يلحق الإنسان فيها وسمي إبراهيم خليلاً لأنه لم يجعل فقره وفاقته إلا إلى الله تعالى في كل حال، وهذا الفقر أشرف غنى بل أشرف فضيلة يكتسبها الإنسان، ولهذا ورد: اللهم أغنني بالافتقار إليك ولا تفقرني بالاستغناء عنك، وقيل من الخلة بالضم وهي المودّة الخالصة أو من التخلل. قال ثعلب: لأن مودته تتخلل القلب وأنشد:
قد تخللت مسلك الروح مني … وبذا سمي الخليل خليلا
وقال الزجاج: معنى الخليل الذي ليس في محبته خلل، وسمي إبراهيم خليل الله لأنه أحبه محبة كاملة ليس فيها نقص ولا خلل. وقال القرطبي: الخليل فعيل بمعنى فاعل كالعليم بمعنى عالم، وقيل هو بمعنى المفعول كالحبيب بمعنى المحبوب، وقيل الخليل هو الذي يوافقك في خلالك. قال ﵇: تخلقوا بأخلاق الله فلما بلغ إبراهيم في هذا الباب مبلغًا لم يبلغه أحد ممن تقدمه لا جرم خصه الله تعالى بهذا الاسم. وقال الإمام فخر الدين إنما سمي خليلاً لأن محبة الله تخللت في جميع قواه فصار بحيث لا يرى إلا الله ولا يتحرك إلا لله ولا يسكن إلا لله ولا يمشي إلا لله ولا يسمع إلا بالله فكان نور جلال الله قد سرى في جميع قواه الجسمانية وتخلل فيها