قال في الكواكب: اعلم أن الشارع إنما أمر العاطس بالحمد لما حصل له من المنفعة بخروج ما احتقن في دماغه من الأبخرة. قال الأطباء: العطسة تدل على قوة طبيعة الدماغ وصحة مزاجه فهي نعمة، وكيف لا وهي جالبة للخفة المؤدّية إلى الطاعات فاستدعى الحمد عليها، ولما كان ذلك بغير الوضع الشخصي لحصول حركات غير مضبوطة بغير اختيار، ولهذا قيل إنها زلزلة البدن أريد إزالة ذلك الانفعال عنه بالدعاء له والاشتغال بجوابه ولما دعا له كان مقتضى ﴿وإذا حييتم بتحية فحيّوا بأحسن منها﴾ [النساء: ٨٦] أن يكافئه بأكثر منها فلهذا أمر بالدعوتين الأولى لفلاح الآخرة وهو الهداية المقتضية له، والثانية لصلاح حاله في الدنيا وهو إصلاح البال فهو دعاء له بخير الدارين وسعادة المنزلتين، وعلى هذا قس أحكام الشريعة وآدابها اهـ.
وقد ذهب الكوفيون إلى أنه يقول: يغفر الله لنا ولكم، وهذا أخرجه الطبري عن ابن مسعود وابن عمر وغيرهما. قال ابن بطال: ذهب مالك والشافعي إلى أن يتخير بين اللفظتين. وقال ابن رشد: الثاني أولى لأن المكلف محتاج إلى طلب المغفرة والجمع بينهما أحسن إلا للذمي.
والحديث أخرجه أبو داود في الأدب والنسائي في اليوم والليلة.
١٢٧ - باب لَا يُشَمَّتُ الْعَاطِسُ إِذَا لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ
هذا (باب) بالتنوين (لا يشمت العاطس إذا لم يحمد الله) بفتح ميم يشمت على صيغة المجهول وسقط باب لأبي ذر.
وبه قال:(حدّثنا آدم بن أبي إياس) العسقلاني قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا سليمان) بن طرخان (التيمي) أبو المعتمر نزل البصرة (قال: سمعت أنسًا ﵁ يقول: عطس) بفتح الطاء (رجلان عند النبي ﷺ فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر فقال الرجل) العاطس الذي لم يشمت (يا رسول الله شمّت هذا ولم تشمتني. قال):
(إن هذا حمد الله ولم تحمد الله). وفي الطبراني من حديث سهل أن الرجلين هما عامر بن الطفيل بن مالك وابن أخيه، وكان عامر قدم المدينة ووقع بينه وبين ثابت بن قيس بحضرة النبي ﷺ كلام، ثم عطس ابن أخيه فحمد فشمته النبي ﷺ، ثم عطس عامر فلم يحمد فلم يشمته فسأله، ومات عامر هذا كافرًا فكيف يخاطب النبي ﷺ بقوله: يا رسول الله فيحتمل كما قال في الفتح: أن يكون قالها غير معتقد بل باعتبار ما يخاطبه المسلمون، وأشار المصنف ﵀ بهذه الترجمة إلى أن الحكم عام وليس مخصوصًا بالرجل الذي وقع له ذلك وإن كانت واقعة حال لا