(مثل القائم على حدود الله) الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر (والواقع فيها) أي في الحدود التارك للمعروف والمرتكب للمنكر (كمثل قوم استهموا) اقترعوا (على سفينة) مشتركة بينهم بالإجارة أو الملك تنازعوا في المقام بها علوًّا أو سفلاً (فأصاب بعضهم) بالقرعة (أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين) وللحموي والمستملي: فكان الذي (في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم).
قال في المصابيح: يظهر لي أن قوله الذي صفة لموصوف مفرد اللفظ كالجمع فاعتبر لفظه فوصف بالذي واعتبر معناه فأعيد عليه ضمير الجماعة في قوله إذا استقوا وهو أولى من أن يجعل الذي مخففًا من الذين بحذف النون انتهى.
وفي الشهادات: فكان الذي في أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها فتأذوا به.
(فقالوا: لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ) بضم النون وسكون الهمزة وبالذال المعجمة أي لم نضر (من فوقنا) وفي الشهادات فأخذ فأسًا فجعل ينقر أسفل السفينة فأتوه فقالوا ما لك قال تأذيتم بي ولا بدّ لي من الماء (فإن يتركوهم وما أرادوا) من الخرق في نصيبهم (هلكوا جميعًا) أهل العلو والسفل لأن من لازم خرق السفينة غرقها وأهلها (وإن أخذوا على أيديهم) منعوهم من الخرق (نجوا) أي الآخذون (ونجوا جميعًا) أي جميع من في السفينة وهكذا إقامة الحدود يحصل بها النجاة لمن أقامها وأقيمت عليه وإلا هلك العاصي بالمعصية والساكت بالرضا بها.
ومطابقة الحديث للترجمة غير خفية وفيه وجوب الصبر على أذى الجار إذا خشي وقوع ما هو أشد ضررًا وأنه ليس لصاحب السفل أن يحدث على صاحب العلو ما يضرّ به وأنه إن أحدث عليه ضررًا لزمه إصلاحه، وأن لصاحب العلو منعه من الضرر وفيه جواز قسمة العقار المتفاوت بالقرعة.
قال ابن بطال: والعلماء متفقون على القول بالقرعة إلا الكوفيين فإنهم قالوا لا معنى لها لأنها تشبه الأزلام التي نهى الله عنها ويأتي مزيد لما ذكرته هنا في باب الشهادات إن شاء الله تعالى، وقد أخرج الحديث الترمذي في الفتن وقال حسن صحيح.