مالك جعلوا التعليل من كلامه، وأشار ابن عبد البرّ إلى أن ابن وهب انفرد بها. كذا قرره ابن بطال وغيره. نعم لم ينفرد بها ابن وهب فقد أخرجه من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن مالك وزاد مخافة أن يناله العدوّ، وكذا رواها مرفوعة إسحاق في مسنده المشار إليه قريبًا، وكذا مسلم والنسائي وابن ماجة أيضًا من طريق الليث عن نافع ومسلم من طريق أيوب بلفظ: فإني لا آمن أن يناله العدو فصرّح بأنه مرفوع ولينس بمدرج، وحينئذٍ فالمتابعة إنما هي في أصل الحديث قاله في الفتح.
والعطف في قوله وكذلك يروى صحيح على رواية المستملي، أما على رواية غيره فاستشكله الخطابي من حيث أنه لم يتقدمه ما يعطف عليه. وأجاب: باحتمال غلط النساخ بالتقديم والتأخير.
(وقد سافر النبي ﷺ وأصحابه)﵃(في أرض العدو وهم يعلمون القرآن) بفتح المثناة التحتية وسكون العين كذا في الفرع وأصله وأصل الدمياطي وغيرهم، فالنهي عن السفر بالقرآن إنما المراد به السفر بالمصحف خشية أن يناله العدوّ لا السفر بالقرآن نفسه، لأن القرآن المنزل لا يمكن السفر به فدلّ على أن المراد به المصحف المكتوب فيه القرآن.
وبه قال:(حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن نافع عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب (﵄)(أن رسول الله ﷺ نهى أن يسافر بالقرآن) أي بالمصحف (إلى أرض العدو) خوفًا من الاستهانة به واستدلّ به على منع بيع المصحف من الكافر لوجود العلة وهي التمكن من الاستهانة به وكذا كتب فقه فيها آثار السلف بل قال السبكي: الأحسن أن يقال كتب علم وإن خلت عن الآثار تعظيمًا للعلم الشرعي. قال ولده الشيخ تاج الدين، وقوله تعظيمًا للعلم الشرعي يفيد جواز بيع الكافر كتب علوم غير شرعية، وينبغي المنع من بيع ما يتعلق منها بالشرع ككتب النحو واللغة اهـ.
فإن قلت: ما الجمع بين هذا وبين كتابه ﵊ إلى هرقل من قوله: ﴿يا أهل الكتاب﴾ [آل عمران: ٧٠] الآية؟ أجيب: بأن المراد بالنهي حمل المجموع أو المتميز والمكتوب لهرقل إنما هو في ضمن كلام آخر غير القرآن.