جلس كهيئة قعود المتشهد، وللكشميهني والأصيلي رجليه بالتثنية (واستقبل القبلة وسجد سجدتين ثم سلم) لم يكن سجوده ﵊ عملاً بقولهم، لأن المصلّي لا يرجع إلى قول غيره، بل لما سألهم بقوله: وما ذاك تذكر فسجد أو أن قول السائل: أحدث شكًّا فسجد لحصول الشك الذي طرأ له لا لمجرّد إخبارهم، (فلما أقبل علينا بوجهه قال: إنه لو حدث في الصلاة شيء لنبّأتكم) أي لأخبرتكم (به) أي بالحدوث وحذف لدلالة قوله لو حدث في الصلاة، واللام في لنبأتكم لام الجواب، ومفعوله الأول ضمير المخاطبين، والثاني به، والثالث محذوف، وفيه أنه كان يجب عليه تبليغ الأحكام إلى الأمة، (ولكن إنما أنا بشر مثلكم) أي بالنسبة إلى الاطّلاع على بواطن المخاطبين لا بالنسبة إلى كل شيء (أنسى كما تنسون) بهمزة مفتوحة وسين مخفّفة. قال الزركشي: ومن قيده بضم أوّله وتشديد ثالثه لم يناسب التشبيه، (فإذا نسيتُ فذكروني) في الصلاة بالتسبيح ونحوه، (وإذا شك أحدكم) بأن استوى عنده طرفا العلم والجهل (في صلاته فليتحرّ الصواب) أي فليجتهد وعن الشافعي فليقصد الصواب أي: فليأخذ باليقين وهو البناء على الأقل. وقال أبو حنيفة: معناه البناء على غالب الظن. ولا يلزم بالاقتصار على الأقل، ولمسلم فلينظر أقرب ذلك إلى الصواب (فليتم) بناءً (عليه ثم يسلم) وجوبًا (ثم يسجد) للسهو أي ندبًا (سجدتين) لا واحدة كالتلاوة وعبّر بلفظ الخبر في هذين الفعلين، وبلفظ الأمر في السابقين وهما: فليتحرّ وليتم لأنهما كانا ثابتين يومئذ بخلاف التحرّي والإتمام، فإنهما ثبتا بهذا الأمر، ولأبى ذر: يسلم بغير لام الأمر، وللأصيلي وليسجد بلام الأمر وهو محمول على الندب وعليه الإجماع في المسألتين.
ودلالة الحديث على الترجمة من قوله فثنى رجليه واستقبل القبلة.
واستنبط منه جواز النسخ عند الصحابة وأنهم كانوا يتوقعونه، وعلى جواز وقوع السهو من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الأفعال وعليه عامّة العلماء والنظّار كما قاله الشيخ تقي الدين.
ورواته الستة كلهم كوفيون أئمة أجلاء، وإسناده من أصحّ الأسانيد، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف في النذور ومسلم والنسائي وأبو داود وابن ماجة.
ولما فرغ المؤلّف من حكم التوجّه إلى القبلة شرع يذكر حكم مَن سها فصلّى إلى غير القبلة فقال:
(باب ما جاء في القبلة) غير ما ذكر (ومن لا يرى الإعادة) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: ومن لم يرَ الإعادة (على من سها فصلّى إلى غير القبلة) الفاء تفسيرية لأنه تفسير لقوله سها