(واجب) أي: كالواجب في تأكيد الندبية، أو واجب في الاختيار وكرم الأخلاق والنظافة، أو في الكيفية لا في الحكم، (على كل محتلم) أي بالغ، فخرج الصبي، وذكر الاحتلام لكونه الغالب.
وقد تمسك به من قال بالوجوب، وهو مذهب الظاهرية. وحكي عن جماعة من السلف منهم أبو هريرة وعمار بن ياسر، وحكي عن أحمد في إحدى الروايتين عنه لنا قوله،ﷺ:"من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل". رواه الترمذي وحسنه، وهو صارف للوجوب المذكور، وقوله: فبها، أي: فبالسنة أخذ، أي: بما جوّزته من الاقتصار على الوضوء، ونعمت الخصلة. أي: الفعلة، والغسل معها أفضل.
واستدلّ الشافعي ﵀ في الرسالة لعدم الوجوب بقصة عثمان وعمر السابقة، وعبارته: فلما لم يترك عثمان الصلاة للغسل، ولم يأمره عمر بالخروج للغسل، دلّ ذلك على أنهم قد علما أن الأمر بالغسل للاختيار. اهـ.
وقيل: الوجوب منسوخ، وعورض بأن النسخ لا يصار إليه إلاّ بدليل.
ومجموع الأحاديث يدل على استمرار الحكم، فإن في حديث عائشة: إن ذلك كان في أوّل الحال حيث كانوا مجهودين: وكان أبو هريرة وابن عباس إنما صحبا النبي ﷺ بعد أن حصل التوسع بالنسبة إلى ما كانوا فيه أولاً، ومع ذلك، فقد سمع كلٌّ منهما منه ﵊ الأمر بالغسل، والحثّ عليه، والترغيب فيه. فكيف يدّعي النسخ مع ذلك.
وأما تأويل القدوري، من الحنفية، قوله: واجب، بمعنى ساقط. و: على، بمعنى: عن، فلا يخفى ما فيه من التكلّف.
وأما قول بعضهم: إنه ليس بشرط بل واجب مستقل تصح الصلاة بدونه، وكان أصله قصد التنظيف وإزالة الروائح التي تتأذى منها الملائكة والناس، فيلزم منه تأثيم سيدنا عثمان ﵁.
وأجيب: بأنه كان معذورًا لأنه إنما تركه ذاهلاً عن الوقت.