يعرف اسمه نعم سماه أبو العالية فيما نقله عنه البرماوي رفيعًا، وفيه استعمال بينما بدون إذ وإذا وهو فصيح (فقال: متى الساعة) استفهام عن الوقت التي تقوم فيه (فمضى رسول الله ﷺ يحدث) أي القوم، وفي رواية ابن عساكر وأبي ذر عن المستملي والحموي والكشميهني يحدّثه بالهاء أي يحدّث القوم الحديث الذي كان فيه فلا يعود الضمير المنصوب على الأعرابي (فقال بعض القوم: سمع)﵊(ما قال فكره ما قال) أي الذي قاله فحذف العائد (وقال بعضهم: بل لم يسمع) قوله، وبل حرف إضراب وليه هنا جملة وهي لم يسمع فيكون بمعنى الإبطال لا العطف، والجملة اعتراض بين فمضى وبين قوله (حتى إذا قضى)ﷺ(حديثه) فحتى إذا يتعلق بقوله فمضى يحدث لا بقوله لم يسمع، وإنما لم يجبه ﵊ لأنه يحتمل أن يكون لانتظار الوحي أو يكون مشغولاً بجواب سائل آخر، ويؤخذ منه أنه ينبغي للعالم والقاضي ونحوهما رعاية تقدم الأسبق فالأسبق، (قال)ﷺ(أين أراه) بضم الهمزة أي أظن أنه قال أين (السائل عن الساعة) أي عن زمانها، والشك من محمد بن فليح ولم يضبط همزة أراه في اليونينية، وفي رواية أين السائل وهو في الروايتين بالرفع على الابتداء وخبره أين المتقدم وهو سؤال عن المكان بني لتضمنه حرف الاستفهام.
(قال) الأعرابي: (ها أنا) السائل (يا رسول الله) فالسائل المقدر خبر المبتدأ الذي هو أنا وها حرف تنبيه (قال)ﷺ(فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة. قال) الأعرابي: (كيف إضاعتها؟ قال)﵊ مجيئًا له: (إذا وسد) بضم الواو وتشديد السين أي جعل (الأمر) المتعلق بالدين كالخلافة والقضاء والإفتاء (إلى غير أهله) أي بولاية غير أهل الدين والأمانات (فانتظر الساعة): الفاء للتفريع أو جواب شرط محذوف، أي: إذا كان الأمر كذلك فانتظر الساعة، ولا يقال هي جواب إذا وسد لأنها لا تتضمن هنا معنى الشرط. وقال ابن بطال فيه: إن الأئمة ائتمنهم الله على عباده وفرض عليهم النصح، وإذا قلدوا الأمر لغير أهل الدين فقد ضيعوا الأمانات، وفيه: أن الساعة لا تقوم حتى يؤتمن الخائن، وهذا إنما يكون إذا غلب الجهّال وضعف أهل الحق عن القيام به ونصرته، وفيه وجوب تعليم السائل لقوله ﵊: أين السائل، وفيه مراجعة العالم عند عدم فهم السائل لقوله: كيف إضاعتها، وهو ثمانيّ الإسناد ورجاله كلهم مدنيون مع التحديث بالإفراد والجمع والعنعنة، وأخرجه المصنف أيضًا في الرقاق مختصرًا وهو مما انفرد به عن بقية الكتب الستة.
٣ - باب مَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْعِلْمِ
(باب من) أي الذي (رفع صوته بالعلم) أي بكلام يدل على العلم فهو من باب إطلاق اسم المدلول على الدال، وإلاّ فالعلم صفة معنوية لا يتصوّر رفع الصوت به.