هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: (﴿ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسًا﴾) ثم أنزل الله الأمن على المؤمنين وأزال عنهم الخوف الذي كان بهم حتى نعسوا وغلبهم النوم. قال أبو البقاء: والأصل أنزل عليكم نعاسًا ذا أمنة لأن النعاس ليس هو الأمن بل هو الذي حصل به الأمن (﴿يغشى﴾) النعاس (﴿طائفة منكم﴾) هم أهل الصدق واليقين (﴿وطائفة﴾) هم المنافقون لم يغشهم النعاس (﴿قد أهمتهم أنفسهم﴾) ما يهمهم إلا هم أنفسهم وخلاصها لا هم الدين ولا هم رسول الله ﷺ إنما هم مستغرقون في همّ أنفسهم فلذا لم تنزل عليهم السكينة لأنها وارد روحاني لا يتلوث بهم (﴿يظنون بالله غير﴾) الظن (﴿الحق﴾) الذي يجب أن يظن به وهو أن لا ينصر محمدًا ﷺ وأصحابه (﴿ظن الجاهلية﴾) أي الظن المختص بالملة الجاهلية أو ظن أهل الجاهلية (﴿يقولون هل لنا من الأمر﴾) الذي يعدنا به محمد ﷺ من النصر والظفر (﴿من شيء﴾) إنما هو للمشركين استفهام على سبيل الإنكار (﴿قل﴾) يا محمد لهؤلاء المنافقين (﴿إن الأمر﴾) النصر والظفر (﴿كله لله﴾) يصرفه حيث يشاء (﴿يخفون في أنفسهم﴾) من الكفر والشرك أو يخفون الندم على خروجهم مع المسلمين (﴿ما لا يبدون لك﴾) خوفًا من السيف (﴿يقولون﴾) في أنفسهم أو بعضهم لبعض منكرين لقولك لهم إن الأمر كله لله (﴿لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا﴾) أي لو كان الأمر كما قال محمد: إن الأمر كله لله ولأوليائه وإنهم لغالبون لما غلبنا قط ولما قتل من المسلمين من قتل في هذه المعركة (﴿قل لو كنتم في بيوتكم﴾) أي من علم الله منه أن يقتل في هذه المعركة وكتب في اللوح المحفوظ لم يكن بد من وجوه فلو قعدتم في بيوتكم (﴿لبرز﴾) من بينكم (﴿الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم﴾) مصارعهم بأحد ليكون ما علم الله تعالى أنه يكون والحذر لا يمنع القدر والتدبير لا يقاوم التقدير وقد كتب الله في اللوح قتل من يقتل من المؤمنين وكتب مع ذلك أن العاقبة في الغلبة لهم وأن دين الإسلام يظهر على الدين كله وأن ما ينكبون في بعض الأوقات تمحيص لهم (﴿وليبتلي الله ما في صدوركم﴾) أي وليختبر ما في صدوركم من الإخلاص (﴿وليمحص ما في قلوبكم﴾) من وساوس الشيطان (﴿والله عليم بذات الصدور﴾)[آل عمران: ١٥٤] وهي الإسرار والضمائر لأنها حالة فيها مصاحبة لها وذكر ذلك ليدل به على أن ابتلاءه لم يكن لأنه يخفى عليه ما في الصدور وغيره لأنه عالم بجميع المعلومات