حتى تثابي فأجابت (فقالت) له: (إليك) أي تنح وابعد (عني فإنك خلو) بكسر المعجمة وسكون اللام خال (من مصيبتي). وعند أبي يعلى من حديث أبي هريرة أنها قالت: يا عبد الله إني أنا الحراء الثكلاء ولو كنت مصابًا عذرتني (قال) أنس: (فجاوزها)ﷺ(ومضى فمرّ بها رجل) هو الفضل بن العباس (فقال) لها: (ما قال لك رسول الله ﷺ؟ قالت) له: (ما عرفته. قال: إنه لرسول الله ﷺ) زاد مسلم في رواية له فأخذها مثل الموت أي من شدة الكرب الذي أصابها لما عرفت أنه رسول الله ﷺ(قال) أنس: (فجاءت) أي المرأة (إلى بابه)﵊(فلم تجد عليه بوّابًا) أي راتبًا تواضعًا منه ﷺ، فلا يعارض هذا حديث أبي موسى أنه كان بوّابًا له ﵊ لما جلس على القف، وحديث عمر لما استأذن له الأسود في قصة حلفه أن لا يدخل على نسائه شهرًا لأنه ﷺ كان في خلوة نفسه يتخذ البوّاب. واختلف في مشروعية الحجاب للحاكم فقال إمامنا الشافعي: لا ينبغي اتخاذه له، وقال آخرون بالجواز، وقال آخرون يستحب لترتيب الخصوم ومنع المستطيل ودفع الشرّير ويكره دوام الاحتجاب، وقد يحرم ففي أبي داود والترمذي بسند جيد عن أبي مريم الأسدي مرفوعًا: مَن ولاّه الله من أمر الناس شيئًا فاحتجب عن حاجتهم احتجب الله عن حاجته يوم القيامة. وقال في شرح المشكاة: فائدة قوله فلم تجد عنده بوّابًا إنه لما قيل لها إنه لرسول الله ﷺ استشعرت خوفًا وهيبة في نفسها فتصوّرت أنه مثل الملوك له حاجب وبوّاب يمنع الناس من الوصول إليه فوجدت الأمر بخلاف ما تصوّرته.
(فقالت: يا رسول الله والله ما عرفتك. فقال النبي ﷺ) لها (إن الصبر عند أول صدمة) ولأبي ذر عن الكشميهني: عند أول الصدمة بالتعريف، والمعنى إذا وقع الثبات أول شيء يهجم على القلب من مقتضيات الجزع فهو الصبر الكامل الذي يترتب عليه الأجر فالمرء لا يؤجر على المصيبة لأنها ليست من صنعه وإنما يؤجر على حسن تثبته وجميل صبره.
(باب) ذكر (الحاكم يحكم بالقتل على من وجب عليه) القتل (دون الإمام الذي فوقه) أي الذي ولاّه من غير احتياج إلى استئذانه في خصوص ذلك وباب مضاف لتاليه في الفرع، وقال العيني: ليس مضافًا وإن قوله الحاكم رفع بالابتداء وقوله يحكم بالقتل خبره. وقال في الكواكب وتبعه البرماوي قوله دون هو إما بمعنى عند وإما بمعنى غير، لكن الحديث الثاني يدل على أنه بمعنى غير ليس إلا والأول يحتملهما.