وبه قال:(حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام الأعظم (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال):
(الصيام جنة) بضم الجيم وتشديد النون أي وقاية وسترة قيل من المعاصي لأنه يكسر الشهوة ويضعفها وقيل من النار لأنه إمساك عن الشهوات والنار محفوفة بالشهوات وعند الترمذي وسعيد بن منصور جنة من النار ولأحمد من حديث أبي عبيدة بن الجراح الصيام جنة ما لم يخرقها وزاد الدارمي بالغيبة وفيه تلازم الأمرين لأنه إذا كف نفسه عن المعاصي في الدنيا كان سترًا له من النار (فلا يرفث) بالمثلثة وبتثليث الفاء أي لا يفحش الصائم في الكلام (ولا يجهل). أي لا يفعل فعل الجهال كالصياح والسخرية أو يسفه على أحد وعند سعيد بن منصور فلا يرفث ولا يجادل وهذا ممنوع في الجملة على الإطلاق لكنه يتأكد بالصوم كما لا يخفى (وإن امرؤ قاتله أو شاتمه) قال عياض: قاتله أي دافعه ونازعه ويكون بمعنى شاتمه ولاعنه، وقد جاء القتل بمعنى اللعن وفي رواية أبي صالح فإن سابه أحد أو قاتله، ولسعيد بن منصور من طريق سهيل فإن سابه أحد أو ماراه يعني جادله، وقد استشكل ظاهره لأن المفاعلة تقتضي وقوع الفعل من الجانبين فإنه مأمور بأن يكف نفسه عن ذلك.
وأجيب: بأن المراد بالمفاعلة التهيؤ لها يعني إن تهيأ أحد لمقاتلته أو مشاتمته.
(فليقل) له بلسانه كما رجحه النووي في الأذكار أو بقلبه كما جزم به المتولي ونقله الرافعي عن الأئمة (إني صائم مرتين) فإنه إذا قال ذلك أمكن أن يكف عنه وإلاّ دفعه بالأخف والظاهر كما قاله في المصابيح أن هذا القول علة لتأكيد المنع فكأنه يقول لخصمه إني صائم تحذيرًا وتهديدًا بالوعيد الموجه على من انتهك حرمة الصائم وتذرع إلى تنقيص أجره بإيقاعه بالمشاتمة أو يذكر نفسه شديد المنبع المعلل بالصوم ويكون من إطلاق القول على الكلام النفسي، وظاهر كون الصوم جنّة أن يقي صاحبه من أن يؤذي كما يقيه أن يؤذى.