وفي هذا الحديث بيان عظم الإخلاص والمراقبة، وفيه أن العالم إذا سئل عمّا لا يعلمه يقول لا أدري ولا ينقص ذلك من جلالته، بل يدل على ورعه وتقواه ووفور علمه. وأنه يسأل العالم ليعلم السامعون، ويحتمل أن في سؤال جبريل النبي-ﷺ في حضور الصحابة أنه يريد أن يريهم أنه ﵊ مليء من العلوم وأن علمه مأخوذ من الوحي فتزيد رغبتهم ونشاطهم فيه وهو المعنى بقوله: جاء يعلم الناس دينهم، وأن الملائكة تمثل بأي صورة شاؤوا من صور بني آدم. وأخرجه المؤلف في التفسير وفي الزكاة مختصرًا، ومسلم في الإيمان، وابن ماجة في السُّنَّة بتمامه وفي الفتن ببعضه، وأبو داود في السُّنَّة، والنسائي في الإيمان، وكذا الترمذي وأحمد في مسنده، والبزار بإسناد حسن، وأبو عوانة في صحيحه. وأخرجه مسلم أيضًا عن عمر بن الخطاب ولم يخرجه البخاري لاختلاف فيه على بعض رواته.
وبالجملة: فهو حديث جليل حتى قال القرطبي: يصلح أن يقال له أم السُّنَّة لما تضمنه من جمل علمها. وقال عياض: إنه اشتمل على جميع وظائف العبادات الظاهرة والباطنة من عقود الإيمان ابتداءً وحالاً ومآلاً، ومن أعمال الجوارح، ومن إخلاص السرائر والتحفّظ من آفات الأعمال حتى أن علوم الشريعة كلها راجعة إليه ومتشعبة منه اهـ.
[٣٨ - باب]
(باب) بالتنوين مع سقوط الترجمة لأبي الوقت وكريمة وسقط ذلك للأصيلي وأبي ذر وابن عساكر، ورجح النووي الأوّل بأن الحديث التالي لا تعلق له بالترجمة السابقة. وأجيب بأنه يتعلق بها من جهة اشراكهما في جعل الإيمان دينًا، لكن استشكل من جهة الاستدلال بقول هرقل مع كونه غير مؤمن. وأجيب بأن هرقل لم يقله من قبل رأيه إنما رواه عن الكتب السالفة، وفي شرعهم كان الإيمان دينًا وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ وتداولته الصحابة.
وبالسند إلى المؤلف قال:(حدّثنا إبراهيم بن حمزة) بالزاي ابن محمد بن مصعب بن عبد الله بن الزبير بن العوّام القرشي المدني المتوفى بالمدينة سنة ثلاثين ومائتين (قال: حدّثنا إبراهيم بن سعد) هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي المدني. (عن صالح) هو ابن كيسان الغفاري (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بفتحها ابن عتبة