أحضر هذا أوانك، وكان القياس أن يكون: يا ويلي، لكنه أضيف إلى الغائب حملاً على المعنى، كأنه لما أبصر نفسه غير صالحة نفر عنها وجعلها كأنها غيره، أو كره أن يضيف الويل إلى نفسه، قاله في شرح المشكاة. (أين تذهبون بها) قالته لأنها تعلم لم تقدّم خيرًا، أو أنها تقدم على ما يسوءها، فتكره القدوم عليه (يسمع صوتها) المنكر بذلك الويل (كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعه صعق) أي: مات. وللحموي والمستملي: لصعق.
قال ابن بطال: وإنما يتكلم روح الجنازة لأن الجسد لا يتكلم بعد خروج الروح منه، إلا أن يردّها الله إليه، وهذا بناء منه على أن الكلام شرطه الحياة، وليس كذلك، إذا كان الكلام الحروف والأصوات، فيجوز أن يخلق في الميت، ويكون الكلام النفسي قائمًا بالروح، وإنما تسمع الأصوات وهو المراد بالحديث، وهذا الحديث أخرجه النسائي.
(وقال أنس)﵁، مما وصله عبد الوهاب بن عطاء الخفاف، -في كتاب الجنائز له، وابن أبي شيبة بنحوه، عن حميد عن أنس أنه سئل عن المشي في الجنازة فقال:(أنتم مشيعون فامشوا) كذا للكشميهني، والأصيلي: بالجمع، ولغيرهما: وامشِ، بالواو مع الإفراد، ولأبي ذر، والأصيلي، وابن عساكر: فامش، بالفاء والإفراد، والأول أنسب (بين يديها، وخلفها، وعن يمينها، وعن شمالها).
قال الزين بن المنير. مطابقة هذا الأثر للترجمة أن الأثر يتضمن التوسعة على المشيعين وعدم التزامهم جهة معينة، وذلك لما علم من تفاوت أحوالهم في المشي، وقضية الإسراع بالجنازة أن لا يلزموا بمكان واحد يمشون فيه، لئلا يشق على بعضهم ممن يضعف في المشي عمن يقوى عليه، ومحصله أن السرعة لا تتفق غالبًا إلا مع عدم التزام المشي في جهة معينة فتناسبا.
(وقال غيره) أي: غير أنس: امش (قريبًا منها) أي: من الجنازة، من أي جهة كان، لاحتمال أن يحتاج حاملوها إلى المعاونة، و: الغير، المذكور، قال في الفتح: أظنه عبد الرحمن بن قرط، بضم القاف وسكون الراء بعدها طاء مهملة، وهو صحابي، وكان من أهل الصفة، ثم ذكر حديثًا عن رويم، عنه عند سعيد بن منصور، قال: شهد عبد الرحمن بن قرط جنازة، فرأى ناسًا تقدّموا، وآخرين استأخروا، فأمر بالجنازة فوضعت، ثم رماهم بالحجارة حتى اجتمعوا إليه، ثم أمر بها فحملت، ثم قال: امشوا بين يديها، وخلفها، وعن يسارها، وعن يمينها.