وقد اختلف السلف في التحريق فكرهه عمر وابن عباس وغيرهما مطلقًا سواء كان بسبب كفر أو قصاصًا، وأجازه عليّ وخالد بن الوليد وقال المهلب: ليس هذا النهي على التحريم بل على سبيل التواضع، وقد سمل ﵊ أعين العرنيين بالحديد المحمى، وحرق أبو بكر- ﵁ اللائط بالنار بحضرة الصحابة، وتعقب بأنه لا حجة فيه للجواز فإن قصة العرنيين كانت قصاصًا أو منسوخة وتجويز الصحابي معارض بمنع صحابي غيره.
(فإن وجدتموهما) بالواو والجيم وفي باب التوديع فإن أخذتموهما (فاقتلوهما).
وبه قال:(حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن أيوب) السختياني (عن عكرمة) مولى ابن عباس (أن عليًّا ﵁ حرّق قومًا) هم السبئية أتباع عبد الله بن سبأ كانوا يزعمون أن عليًّا ربهم تعالى الله وتقدّس عن مقالتهم، وعند ابن أبي شيبة كانوا قومًا يعبدون الأصنام (فبلغ) ذلك (ابن عباس)﵄(فقال: لو كنت أنا) بدله فالخبر محذوف وأتى بأنا تأكيدًا للضمير المتصل (لم أحرقهم لأن النبي ﷺ قال):
(لا تعذبوا بعذاب الله) وهذا أصرح في النهي من السابق في الحديث الذي قبل (ولقتلتهم كما قال النبي ﷺ)(من بدّل دينه) الحق وهو دين الإسلام (فاقتلوه). وفي حديث مروي في شرح السُّنّة فبلغ ذلك عليًّا فقال: صدق ابن عباس وإنما حرّقهم عليّ ﵁ بالرأي والاجتهاد وكأنه لم يقف على النص في ذلك قبل، فجوّز ذلك للتشديد بالكفار والمبالغة في النكاية والنكال، وقوله: ولقتلتهم عطف على جواب لو وأتى باللام لإفادتها معنى التأكيد وخصها بالثاني دون الأول وهو الجواب لأن القتل أهم وأحرى من غيره ولورود النص أن النار لا يعذب بها إلا الله.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في استتابة المرتدين وأبو داود وابن ماجه في الحدود وكذا الترمذي والنسائي في المحاربة.
هذا (باب) بالتنوين يذكر في التخيير بين المن والفداء في الأسرى لقوله تعالى في سورة القتال: ﴿فإما منًّا بعد وإما فداء﴾ [محمد ﷺ: ٤]. أي فإما تمنون منًّا أو تفدون فداء، والمراد