(﴿ولما جاء موسى﴾) ولأبي ذر باب بالتنوين في قوله جل ذكره: ولما جاء موسى أي حضر (﴿لميقاتنا﴾) للوقت الذي عيناه له واللام للاختصاص كهي في قوله أتيته لعشر خلون من رمضان وليست بمعنى عند قيل لا بدّ هنا من تقدير مضاف أي لآخر ميقاتنا ولا لانقضاء ميقاتنا (﴿وكلمه ربه﴾) من غير واسطة على جبل الطور كلامًا مغايرًا لهذه الحروف والأصوات قديمًا قائمًا بذاته تعالى وخلق فيه إدراكًا سمعه به، وكما ثبتت رؤية ذاته جل وعلا مع أنه ليس بجسم ولا عرض فكذلك كلامه وإن لم يكن صوتًا ولا حرفًا صح أن يسمع. وروي أن موسى ﵇ كان يسمع كلام الله من كل جهة وفيه إشارة إلى أن سماع كلامه القديم ليس من جنس كلام المحدثين وجواب لما قوله (﴿قال﴾) أي لما كلمه وخصه بهذه المرتبة طمحت همته إلى رقبة الرؤية وتشوّق إلى ذلك فسأل ربه أن يريه ذاته المقدسة فقال (﴿رب أرني أنظر إليك﴾) أي أرني نفسك أنظر إليك فثاني مفعولي أرى محذوف والرؤية عين النظر، لكن المعنى اجعلني متمكنًا من رؤيتك بأن تتجلى لي فانظر إليك وأراك، والآية تدل على جواز رؤية الله تعالى لأن موسى ﵊ سألها وكان عارفًا بالجائز والممتنع، فلو كانت محالًا لما طلبها. ولذلك (﴿قال﴾) الله تعالى جوابًا له (﴿لن تراني﴾) ولم يقل لن أرى ولن أريك ولن تنظر إليّ كأنه قال: إن المانع ليس إلا من جانبك وإني غير محجوب بل محتجب بحجاب منك وهو كونك فان في فان وأنا باق ووصفي باق فإذا جاوزت قنطرة الفناء ووصلت إلى دار البقاء فزت بمطلوبك ولا يلزم من نفي لمن التأبيد، إذ لو قلنا به لقضينا أن موسى لا يراه أبدًا ولا في الآخرة، وكيف وقد ثبت في الحديث المتواتر أن المؤمنين يرون الله تعالى في القيامة فموسى ﵇ أحرى بذلك، وما قيل إنه سأل عن لسان قوم فمردود بأن القوم إن كانوا كفاهم منع موسى وإلاّ لم يفدهم ذلك كإنكارهم أنه قول الله. وروى محيي السنة عن الحسن قال: هاج بموسى الشوق فسأل الرؤية فقال: إلهي قد سمعت كلامك فاشتقت إلى النظر إليك فأرني أنظر إليك فلأن أنظر إليك ثم أموت أحبّ إليّ من أن أعيش ولا أراك (﴿ولكن انظر إلى الجبل﴾) زبير الذي هو أشد منك خلقًا (﴿فإن استقر﴾) ثبت (﴿مكانه فسوف تراني﴾) إشارة إلى عدم قدرته على الرؤية على وجه الاستدراك، وفي تعليق الرؤية على استقرار الجبل دليل للجواز ضرورة أن المعلق على الممكن ممكن (﴿فلما تجلّى ربه للجبل﴾) أي ظهرت عظمته له وقدرته وأمره، وحمل اللفظ على المعهود والأكمل أولى فيجوز أن يخلق الله له حياة وسمعًا وبصرًا كما جعله محلاًّ لخطابه بقوله: ﴿يا جبالُ أوّبي معه﴾ [سبأ: ١٠] وكما جعل الشجرة محلًا لكلامه وكل هذا لا يحيله من يؤمن بأن الله على كل شيء قدير (﴿جعله دكًّا﴾)