قال لا أمر إلا في قريش وهو كقوله: الشفعة فيما لم يقسم، والحديث وإن كان بلفظ الخبر فهو بمعنى الأمر كأنه قال: ائتموا بقريش خاصة، وقوله ما بقي منهم اثنان ليس المراد به حقيقة العدد، وإنما المراد به انتفاء أن يكون الأمر في غير قريش، وهذا الحكم مستمر إلى يوم القيامة ما بقي من الناس اثنان، وقد ظهر ما قاله رسول الله ﷺ فمن زمنه إلى الآن لم تزل الخلافة في قريش من غير مزاحمة لهم على ذلك ومن تغلب على الملك بطريق الشوكة لا ينكر أن الخلافة في قريش وإنما يدّعي أن ذلك بطريق النيابة عنهم اهـ.
ويحتمل أن يكون بقاء الأمر في قريش في بعض الأقطار دون بعض فإن في البلاد اليمنية طائفة من ذرية الحسن بن علي لم تزل مملكة معهم من أواخر المائة الثالثة وأمراء مكة من ذرية الحسن بن عليّ والينبع والمدينة من ذرية الحسين بن علي وإن كانوا من صميم قريش لكنهم تحت حكم غيرهم من ملوك مصر.
قال الحافظ ابن حجر: ولا شك في كون الخليفة بمصر قرشيًّا من ذرية العباس ولو فقد قرشي فكناني، ثم رجل من بني إسماعيل، ثم عجمي على ما في التهذيب، أو جرهمي على ما في التتمة، ثم رجل من بني إسحاق وأن يكون شجاعًا ليغزو بنفسه ويعالج الجيوش ويقوى على فتح البلاد ويحمي البيضة، وأن يكون أهلاً للقضاء بأن يكون مسلمًا مكلفًا حرًّا عدلاً ذكرًا مجتهدًا ذا رأي وسمع وبصر ونطق وتنعقد الإمامة ببيعة أهل العقد والحل من العلماء ووجوه الناس المتيسر اجتماعهم وباستخلاف الإمام من يعينه في حياته ويشترط القبول في حياته ليكن خليفة بعد موته وباستيلاء متغلب على الإمامة ولو غير أهل لها كصبي وامرأة بأن قهر الناس بشوكته وجنده وذلك لينتظم شمل المسلمين.
(باب أجر من قضى بالحكمة) وسقط لفظ أجر لأبي ذر المروزي أي مَن قضى بحكم الله تعالى فلو قضى بغير حكم الله تعالى فسق (لقوله تعالى: ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون﴾)[المائدة: ٤٧] الخارجون عن طاعة الله، وقال أبو منصور ﵀: يجوز أن يحمل على الجحود في الثلاثة يعني قوله: ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون﴾ [المائدة: ٤٤] ﴿فأولئك هم الظالمون﴾ [المائدة: ٤٥] ﴿فأولئك هم الفاسقون﴾ فيكون ظالمًا كافرًا فاسقًا لأن الفاسق المطلق والظالم المطلق هو الكافر، وقيل التعريف فيه للعهد. قال ابن بطال: مفهوم الآية أن من حكم بما أنزل الله استحق جزيل الأجر.