فأعطاه الألف دينار فضرب بها الرجل أي سافر بها في تجارة، فلما بلغ الأجل أراد الخروج إليه فحبسه الريح فعمل تابوتًا فذكر الحديث نحو حديث أبي هريرة فاستفدنا منه أن الذي أقرض هو النجاشي فيجوز أن تكون نسبته إلى بني إسرائيل بطريق الاتباع لهم لا أنه من نسلهم انتهى.
وتعقبه العيني فقال هذا الكلام في البعد إلى حدّ السقوط لأن السائل والمسؤول منه كلاهما من بني إسرائيل على ما صرّح به ظاهر الكلام وبين الحبشة وبين بني إسرائيل بعد عظيم في النسبة وفي الأرض، ويبعد أن يكون ذلك الانتساب إلى بني إسرائيل بطريق الاتباع وهذا يأباه من له نظر تام في تصرفه في وجوه معاني الكلام على أن الحديث المذكور ضعيف لا يعمل به انتهى.
وأجاب في انتقاض الاعتراض بأن المراد بالاتباع الاتباع في الدين فيستوي بعيد الأرض وقريبها وبعيد النسب وقريبه وكان جمع من أهل اليمن دخلوا في دين بني إسرائيل وهي اليهودية ثم دخل من يقابل أهل اليمن من الحبشة في دين بني إسرائيل أيضًا وهي النصرانية وكان النجاشي ممن تحقق ذلك الدين ودان به قبل التبديل والملك لما بلغه دعوة الإسلام بادر إلى الإجابة لما عنده من العلم حتى قال لما سمع قوله تعالى: ﴿إنما المسيح عيسى ابن مريم﴾ [النساء: ١٧١] الآية لا يزيد عيسى على هذا.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا مختصرًا في الاستقرار واللقطة والاستئذان والشروط وسبق في البيع والزكاة.
(باب قول الله تعالى: (﴿والذين عاقدت أيمانكم﴾) مبتدأ ضمن معنى الشرط فوقع خبره مع الفاء وهو قوله: (﴿فآتوهم نصيبهم﴾)[النساء: ٣٣] ويجوز أن يكون منصوبًا على قولك زيدًا فاضربه ويجوز أن يعطف على الولدان ويكون الضمير في فآتوهم للموالي، والمراد بالذين عاقدت أيمانكم موالي الموالاة كان الرجل يعاقد الرجل فيقول دمي دمك وثأري ثأرك وحربي حربك وسلمي سلمك وترثني وأرثك وتطلب بي وأطلب بك وتعقل عني وأعقل عنك فيكون للحليف السدس من ميراث الحليف فنسخ بقوله تعالى: ﴿وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض﴾ [الأحزاب: ٦] ووجه دخول هذا الباب هنا كما قاله ابن المنير أن الحلف كان في أول الإسلام يقتضي استحقاق الميراث فهو مال أوجبه عقد التزام على وجه التبرع فلزم وكذلك الكفالة إنما هي التزام مال بغير عوض تطوّعًا فلزم.