للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فهكذا لم تزل بصيرة النبي معترضة لأن تصدأ بالأغبرة الثائرة من أنفاس الأغيار فلا جرم دعت الحاجة إلى إسبال جفن من الغين على حدقة بصيرته سترًا لها ووقاية وصقالاً عن تلك الأغبرة المثارة برؤية الأغيار وأنفاسها، فيصح أن الغين إن كانت صورته نقصًا فمعناه كمال وصقال حقيقة، ثم قال أيضًا: إن روح النبي لم تزل في الترقي إلى مقامات القرب مستتبعة للقلب في رقيها إلى مركزها وهكذا القلب كان يستتبع نفسه الزكية ولا خفاء أن حركة الروح والقلب أسرع وأتمّ من نهضة النفس وحركتها فكانت خطى النفس تقصر عن مدى الروح والقلب في العروج والولوج في حرم القرب ولحوقها بهما فاقتضت العواطف الربانية على الضعفاء من الأمة إبطاء حركة القلب بلقاء الغين عليه لئلا يسرع القلب ويسرح في معارج الروح ومدارجها فتنقطع علاقة النفس عنه لقوة الانجذاب فتبقي العباد مهملين محرومين عن الاستنارة بأنوار النبوة والاستضاءة بمشكاة مصباح الشريعة، وحيث كان يرى إبطاء القلب بالغين الملقى عليه وقصور النفس عن شأو ترقي الروح إلى الرفيق الأعلى كان يفزع إلى الاستغفار إذ لم تف قواها في سرعة اللحوق بها، وهذا من أعز مقول في هذا المعنى وأحسن مشروح فيه.

٤ - باب التَّوْبَةِ

قَالَ قَتَادَةُ: ﴿تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا﴾: [التحريم: ٨]: الصَّادِقَةُ النَّاصِحَةُ.

(باب التوبة) سقط لفظ باب لأبي ذر فالتوبة رفع وهي في الشرع ترك الذنب لقبحه والندم على ما فرط منه والعزم على ترك المعاودة وتدارك ما أمكنه أن يتداركه من الأعمال بالأعمال بالإِعادة وردّ الظلامات لذويها أو تحصيل البراءة منهم، وزاد عبد الله بن المبارك: إن يعمد إلى البدن الذي رباه بالسحت فيذيبه بالهم والحزن حتى ينشأ له لحم طيب وأن يذيق نفسه ألم الطاعة كما أذاقها لذة المعصية اهـ.

والتوبة أهم قواعد الإِسلام وهي أول مقامات سالكي الآخرة وبها سعادة الأبد.

(قال): ولأبي ذر: وقال (قتادة) فيما وصله عبد بن حميد في تفسير قوله تعالى: (﴿توبوا إلى الله توبة نصوحًا﴾) [التحريم: ٨] أي (الصادقة الناصحة) وقيل هي التي لا عود بعدها كما لا يعود اللبن إلى الضرع وقيل الخالصة وقال الحسن: النصوح أن يبغض الذنب الذي أحبه ويستغفر منه إذا ذكره وقيل نصوحًا من نصاحة الثوب أي توبة ترفو خروقك في دينك وترم خللك ويجوز أن يراد توبة تنصح الناس أي تدعوهم إلى مثلها لظهور أثرها في صاحبها واستعماله الجد والعزيمة في العمل على مقتضاها، وسقط توبوا إلى الله لأبي ذر.

٦٣٠٨ - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدِيثَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنِ النَّبِيِّ وَالآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ، يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى

<<  <  ج: ص:  >  >>