الفتن إن شاء الله تعالى أو المراد به علم الأسرار المصون عن الأغيار المختص بالعلماء بالله من أهل العرفان والمشاهدات والاتقان التي هي نتيجة علم الشرائع والعمل بما جاء به الرسول ﷺ والوقوف عند ما حدّه وهذا لا يظفر به إلا الغوّاصون في بحر المجاهدات، ولا يسعد به إلا المصطفون بأنوار المشاهدات، لكن في كون هذا هو المراد نظر من حيث إنه لو كان كذلك لما وسع أبا هريرة كتمانه مع ذكره من الآية الدالّة على ذم كتمان العلم لا سيما هذا الشأن الذي هو لبّ ثمرة العلم وأيضًا فإنه نفى بثّه على العموم من غير تخصيص، فكيف يستدل به لذلك؟ وأبو هريرة لم يكشف مستوره فيما أعلم، فمن أين علم أن الذي كتمه هو هذا فمن ادّعى ذلك فعليه البيان فقد ظهر أن الاستدلال بذلك لطريق القوم فيه ما فيه على أنهم في غنية عن الاستدلال إذ الشريعة ناطقة بأدلتهم، ومن تصفح الأخبار وتتبع الآثار مع التأمّل والاستنارة بنور الله ظهر له ما قلته والله يهدينا إلى سواء السبيل.
٤٣ - باب الإِنْصَاتِ لِلْعُلَمَاءِ
هذا (باب الإنصات) بكسر الهمزة أي السكوت والاستماع (للعلماء) أي لأجل ما يقولونه.
وبالسند إلى المؤلف قال:(حدّثنا حجاج) هو ابن منهال (قال: حدّثنا شعبة) أي ابن الحجاج (قال: أخبرني) بالتوحيد (علي بن مدرك) بضم الميم وكسر الراء النخعي الكوفي، المتوفى سنة عشرين ومائة (عن أبي زرعة) هرم بفتح الهاء وكسر الراء، زاد في رواية أبي ذر والأصيلي ابن عمرو (عن جرير) هو ابن عبد الله البجلي، وهو جدّ أبي زرعة الراوي عنه هنا لأبيه وكان بديع الجمال طويل القامة بحيث يصل إلى سنام البعير وكان نعله ذراعًا وسبق في باب الدين النصيحة.
(أن النبي ﷺ قال له) وعند المؤلف في حجة الوداع أن النبي ﷺ قال لجرير (في حجة الوداع) بفتح الحاء والواو عند جمرة العقبة واجتماع الناس للرمي وغيره (استنصت الناس) استفعال من الإنصات ومعناه طلب السكوت، وقد أنكر بعضهم لفظه له من قوله قال له في حجة الوداع معلّلاً بأن جريرًا أسلم قبل وفاته ﵊ بأربعين يومًا، وتوقف المنذري لثبوتها في الطرف الصحيحة وقد ذكر غير واحد أنه أسلم في رمضان سنة عشر فأمكن حضوره مسلمًا لحجة الوداع وحينئذ فلا خلل في الحديث (فقال)﵊ بعد أن أنصتوا: (لا ترجعوا) أي لا تصيروا (بعدي) أي بعد موقفي هذا أو بعد موتي (كفارًا) نصب خبر لا ترجعوا المفسر بلا تصيروا (يضرب بعضكم رقاب بعض) مستحلين لذلك ويضرب بالرفع على الاستئناف بيانًا لقوله: لا