اهتمامه واهتمام أبيه بسؤال النبي ﷺ عن ذلك ليفعل ما يأمره به وإن جعل الضمير في لم يعتدّ بها ولم يرها لابن عمر لزم منه التناقض في القصة الواحدة فيفتقر إلى الترجيح، ولا شك أن الأخذ بما رواه أكثر والأحفظ أولى من مقابله عند تعذر الجمع عند الجمهور، وأما قول ابن القيم في الانتصار لشيخه لم يرد التصريح بأن عمر احتسب بتلك التطليقة إلا في رواية سعيد بن جبير عنه عند البخاري وليس فيها التصريح بالرفع قال: فانفراد سعيد بن جبير بذلك كانفراد أبي الزبير بقوله لم يرها شيئًا فإما أن يتساقطا وإما أن ترجح رواية ابن الزبير لتصريحها بالرفع، وتحمل رواية سعيد بن جبير على أن أباه هو الذي حسبها عليه بعد موت النبي ﷺ في الوقت الذي ألزم الناس فيه بالطلاق الثلاث بعد أن كانوا في زمن النبي ﷺ لا يحتسب عليهم به ثلاثًا إذا كان بلفظ واحد.
وأجيب: بأنه قد ثبت في مسلم من رواية أنس بن سيرين سألت ابن عمر عن امرأته التي طلقها وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي ﷺ فقال: "مره فليراجعها" فإذا طهرت فليطلقها لطهرها قال: فراجعتها ثم طلقتها لطهرها قلت فاعتددت بتلك التطليقة وهي حائض فقال: ما لي لا أعتدّ بها وإن كنت عجزت واستحمقت. وعند مسلم أيضًا من طريق ابن أخي ابن شهاب عن عمه عن سالم في حديث الباب: وكان ابن عمر طلّقها تطليقة فحسبت من طلاقها فراجعها كما أمره رسول الله ﷺ ففيه موافقة أنس بن سيرين سعيد بن جبير وأنه راجعها في زمنه ﷺ، قاله في فتح الباري. وما في الحديث من الفوائد لا يخفى على متأمل، والله الموفق.
٣ - باب مَنْ طَلَّقَ وَهَلْ يُوَاجِهُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِالطَّلَاقِ؟
(باب من طلّق) امرأته جاز له ذلك لأن الله تعالى شرع الطلاق كما شرع النكاح، وقال تعالى: ﴿الطلاق مرتان﴾ [البقرة: ٢٢٩] و ﴿يا أيها النبي إذا طلّقتم النساء﴾ [الطلاق: ١] وأما حديث "ليس شيء من الحلال أبغض إلى الله من الطلاق" المروي في سنن أبي داود بإسناد صحيح وصححه الحاكم، وفي لفظ "إن أبغض المباحات عند الله الطلاق" فمحمول على ما إذا وقع عن غير سبب مع كونه أعلّ بالإرسال بل قال الشيخ كمال الدين بن الهمام: إنه نص على إباحته وكونه مبغوضًا وهو لا يستلزم ترتب لازمه المكروه الشرعي إلا لو كان مكروهًا بالمعنى الاصطلاحي ولا يلزم ذلك من وصفه بالبغض إلا لو لم يصفه بالإباحة لكنه وصفه بها لأن أفعل التفضيل بعض ما أضيف إليه وغاية ما فيه أنه مبغوض إليه ﷾، ولم يرتب عليه ما رتب على المكروه ودليل نفي الكراهة قوله تعالى: ﴿لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن﴾ [البقرة: ٢٣٦] وطلاقه ﷺ حفصة (وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق)؟ الأولى ترك ذلك إلا إن احتيج إليه.