من تلك الرمية (فجاء) ومعه قومه من الأنصار (على حمار) وقد وطؤوا له بوسادة من أدم وأحاطوا به في طريقهم يقولون له أحسن في مواليك فقال لهم: لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم وكان رجلاً جسيمًا (فلما دنا) أي قرب من رسول الله (قال رسول الله ﷺ):
(قوموا إلى سيدكم) فقاموا إليه وأنزلوه (فجاء) سعد (فجلس إلى رسول الله ﷺ فقال له)﵊: (إن هؤلاء) اليهود من بني قريظة (نزلوا على حكمك) فيهم (قال) سعد (فإني أحكم) فيهم (أن تقتل) الطائفة (المقاتلة) منهم وهم الرجال (وأن تسبى الذرية) أي النساء والصبيان (قال)﵇: (لقد حكمت فيهم بحكم الملك) بكسر اللام أي بحكم الله. ونقل القاضي عياض أن بعضهم ضبطه في البخاري بكسر اللام وفتحها فإن صح الفتح فالمراد به جبريل يعني بالحكم الذي جاء به الملك عن الله، وعورض بأنه لم ينقل نزول ملك في ذلك بشيء ولو نزل بشيء اتبع وترك الاجتهاد، وبأنه ورد في بعض ألفاظ الصحيح قضيت بحكم الله. نعم ورد في غير البخاري مما ذكره بعضهم أنه قال في حكم سعد بذلك طرقني الملك سحرًا. قال ابن المنير: ويستفاد من هذا الحديث لزوم حكم المحكم برضا الخصمين سواء كان في أمور الحرب أو غيرها وهو رد على الخوارج الذين أنكروا التحكيم على عليّ ﵁، وفيه أيضًا تصحيح القول بأن المصيب واحد أن المجتهد ربما أخطأ ولا حرج عليه ولهذا قال ﵊:"لقد حكمت بحكم الملك" فدل ذلك على أن حكم الله في الواقعة متقرر فمن أصابه فقد أصاب الحق ولولا ذلك لم يكن لسعد مزية في الصواب لا يقال كانت المسألة قطعية والمسائل القطعية لله فيها حكم واحد لأنّا نقول: بل كانت اجتهادية ظنية، ولهذا كان رأي الأنصار أن يعفى عن اليهود خلافًا لسعد وما كان الأنصار ليتفق أكثرهم على خلاف الصواب قطعًا، وفيه جواز الاجتهاد في زمنه ﵊ وبحضرته فكيف بعد وفاته؟ وفيه أنه يسوغ للإمام الأعظم إذا كانت له حكومة في نفسه أن يولي نائبًا يحكم بينه وبين خصمه للضرورة وينفذ ذلك على خصمه إذا كان عدلاً ولا يقدح فيه أنه حكم له وهو نائبه نقله في المصابيح.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في فضائل سعد والاستئذان والمغازي ومسلم في المغازي، وأبو داود في الأدب، والنسائي في المناقب والسِّيَر والفضائل.
١٦٩ - باب قَتْلِ الأَسِيرِ، وَقَتْلِ الصَّبْرِ
(باب) حكم (قتل الأسير، وقتل الصبر) بأن يمسك ذو روح ثم يرمى بشيء حتى يموت. وفي الحديث: النهي عن قتل شيء من الدواب صبرًا، وللكشميهني: قتل الأسير صبرًا بزيادة صبرًا بعد الأسير وحذف قوله وقتل الصبر وهي أخصر والصبر لغة الحبس إذا شدت يدا رجل ورجلاه وأمسكه آخر وضرب عنقه يقال قتل صبرًا.