للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٩ - باب إِذَا لَمْ يَكُنِ الإِسْلَامُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَكَانَ عَلَى الاِسْتِسْلَامِ أَوِ الْخَوْفِ مِنَ الْقَتْلِ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾. فَإِذَا كَانَ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَهُوَ عَلَى قَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلَامُ﴾

هذا (باب) بالتنوين (إذا لم يكن) أي إن لم يكن (الإسلام على الحقيقة) الشرعية (وكان على الاستسلام) أي الانقياد الظاهر فقط والدخول في السلم (أو) كان على (الخوف من القتل) لا ينتفع به في الآخرة فإذا متضمنة معنى الشرط والجزاء محذوف وتقديره نحو ما قدرته (لقوله تعالى) ولأبي ذر والأصيلي ﷿: (قالت الأعراب) أهل البدو ولا واحد له من لفظه ومقول قولهم (آمنا) نزلت في نفر من بني أسلم قدموا المدينة في سنة مجدبة وأظهروا الشهادتين، وكانوا يقولون لرسول الله : أتيناك بالأثقال والعيال ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان يريدون الصدقة ويمنون، فقال الله تعالى: ﴿قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا﴾ إذ الإيمان تصديق مع ثقة وطمأنينة قلب ﴿وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ [الحجرات: ١٤]. فإن الإسلام انقياد ودخول في السلم وإظهار للشهادة لا بالحقيقة، ومن ثم قال تعالى: (قل لم تؤمنوا) لأن كل ما يكون من الإقرار باللسان من غير مواطأة القلب فهو إسلام، وما واطأ فيه القلب اللسان فهو إيمان، وكان نظم الكلام أن يقول لا تقولوا آمنا ولكن قولوا أسلمنا إذ لم تؤمنوا ولكن أسلمتم، فعدل عنه إلى هذا النظم ليفيد تكذيب دعواهم. وفي هذه الآية كما قال الإمام أبو بكر بن الطيب حجة على الكرامية ومن وافقهم من المرجئة في قولهم: إن الإيمان إقرار باللسان فقط، ومثل هذه الآية في الدلالة لذلك قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَان﴾ [المجادلة: ٢٢]. ولم يقل كتب في ألسنتهم، ومن أقوى ما يردّ به عليهم الإجماع على كفر المنافقين مع كونهم أظهروا الشهادتين.

(فإذا كان) أي الإسلام (على الحقيقة) الشرعية وهو الذي يرادف الإيمان وينفع عند الله تعالى (فهو على قوله جل ذكره: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ [آل عمران: ١٩]. أي لا دين مرضي عنده تعالى سواه، وفتح الكسائي همزة أن على أنه بدل من أنه بدل الكل من الكل إن فسر الإسلام بالإيمان وبدل الاشتمال إن فسر بالشريعة، وقد استدل المؤلف بهذه الآية على أن الإسلام الحقيقي هو الدين، وعلى أن الإسلام والإيمان مترادفان وهو قول جماعة من المحدثين وجمهور المعتزلة والمتكلمين، واستدلوا أيضًا بقوله تعالى: ﴿فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِين﴾ [الذاريات: ٣٥، ٣٦]. فاستثنى المسلمين من المؤمنين، والأصل في الاستثناء كون المستثنى من جنس المستثنى منه فيكون الإسلام هو الإيمان وردّ بقوله تعالى: ﴿قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ [الحجرات: ١٤]. فلو كان شيئًا واحدًا لزم إثبات شيء ونفيه في حالة واحدة وهو مُحال. وأجيب بأن الإسلام المعتبر في الشرع لا يوجد بدون الإيمان، وهو في الآية بمعنى انقياد الظاهر من غير انقياد الباطن كما تقدم قريبًا، ثم استدل المؤلف أيضًا على مذهبه بقوله تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>