وقال بعضهم: إن أراد القائل أنه علم اختصاصه تعالى به فصحيح ولا يمنع هذا وقوعه نعتًا، وإن أراد أنه جار كالعلم لا ينظر فيه إلى معنى المشتق فممنوع لظهور معنى الوصفية وعلمية الغلبة يردّهما أن لفظ الرحمن لم يستعمل إلا له تعالى فلا تتحقق فيه الغلبة، وأما قول بني حنيفة في مسيلمة رحمن اليمامة فمن تعنتهم في كفرهم ولما تسمى بذلك كساه الله جلباب الكذب وشهر به، فلا يقال إلا مسيلمة الكذاب، والأظهر أن رحمن غير مصروف كعطشان.
وقال البيضاوي: وتخصيص التسمية بهذه الأسماء ليعلم العارف أن المستحق لأن يستعان به في مجامع الأمور هو المعبود الحقيقي الذي هو مولى النعم كلها عاجلها وآجلها جليلها وحقيرها، فيتوجه بشراشره إلى جناب القدس ويتمسك بحبل التوفيق ويشغل سره بذكره والاستلذاذ به عن غيره.
(الرحيم الراحم: بمعنى واحد كالعليم والعالم) وهذا بالنظر إلى أصل المعنى وإلا فصيغة فعيل من صيغ المبالغة فمعناها زائد على معنى الفاعل وقد ترد صيغة فعيل بمعنى الصفة المشبهة، وفيها أيضًا زيادة لدلالتها على الثبوت بخلاف مجرد الفاعل فإنه يدل على الحدوث، ويحتمل أن يكون المراد أن فعيلًا بمعنى فاعل لا بمعنى مفعول لأنه قد يرد بمعنى مفعول فاحترز عنه.
(باب ما جاء في فاتحة الكتاب) أي من الفضل أو من التفسير أو أعم من ذلك والفاتحة في الأصل أما مصدر كالعافية سمي بها أول ما يفتتح به الشيء من باب إطلاق المصدر على المفعول، والتاء للنقل إلى الاسمية وإضافتها إلى الكتاب بمعنى "من" لأن أوّل الشيء بعضه، ثم جعلت علمًا للسورة المعينة لأنها أوّل الكتاب المعجز قاله بعضهم، وسقط لفظ باب لأبي ذر.
(وسميت أم الكتاب أنه) بفتح الهمزة أي لأنه (يبدأ بكتابتها في المصاحف، ويبدأ بقراءتها في الصلاة) هذا كلام أبي عبيدة في المجاز وكره أنس والحسن وابن سيرين تسميتها بذلك قال الأوّلان: إنما ذلك اللوح المحفوظ.
وأجيب: بأن في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال رسول الله ﷺ: "الحمد لله أم القرآن وأم الكتاب" صححه الترمذي، لكن قال السفاقسي: هذا التعليل منايسب لتسميتها بفاتحة الكتاب لا بأم الكتاب، وقد ذكر بعض المحققين أن السبب في تسميتها أم الكتاب اشتمالها على كليات المعاني التي في القرآن من الثناء على الله تعالى وهو ظاهر، ومن التعبد بالأمر والنهي وهو