(ليس) قولهم (بشيء) يعتمد عليه (فقالوا) مستشكلين عموم قوله ليس بشيء إذ مفهومه أنهم لا يصدقون أصلاً (يا رسول الله إنهم يحدّثونا) ولأبي ذر يحدّثوننا (أحيانًا بشيء) من الغيب (فيكون) ما حدّثونا به (حقًّا) أي واقعًا ثابتًا (فقال رسول الله ﷺ: تلك الكلمة من الحق يخطفها) بفتح الطاء لا بكسرها على المشهور أي يأخذها الكاهن (من الجني) بسرعة وسقطت لفظة من لابن عساكر أي يخطفها الجني من الملائكة وفي رواية الكشميهني كما في الفتح يحفظها بحاء مهملة ساكنة ففاء مفتوحة فظاء معجمة من الحفظ والأوّل هو المعروف (فيقرّها) بضم التحتية وكسر القاف وتشديد الراء أي يصبها أو يلقيها بصوت (في أُذن وليّه) الذي يواليه وهو الكاهن وغيره ممن يوالي الجن (فيخلطون معها) مع الكلمة التي يحفظونها من الملائكة (مائة كذبة) بفتح الكاف وسكون المعجمة فربما أصاب نادرًا وأخطأ غالبًا فلا تغتر بصدقهم في بعض الأمور.
وعن ابن عباس قال: حدّثني رجال من الأنصار أنهم بينا هم جلوس ليلاً مع رسول الله ﷺ إذ رمي بنجم فاستنار فقال: "ما كنتم تقولون إذا رمي مثل هذا في الجاهلية"؟ قالوا: كنا نقول ولد الليلة رجل عظيم أو مات رجل عظيم فقال: "فإنها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته ولكن ربنا تعالى إذا قضى أمرًا سبّح حملة العرش ثم يسبّح الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح إلى أهل السماء الدّنيا فيقولون ماذا قال ربكم فيخبرونهم حتى يصل إلى السماء فيسترق منه الجني فما جاؤوا به على وجهه فهو حق ولكنهم يزيدون فيه وينقصون" رواه مسلم. وفيه بيان توصل الجن إلى الاختطاف وقد انقطعت الكهانة بالبعثة المحمدية لكن بقي من يتشبّه بهم، وثبت النهي عن إتيانهم فلا يحل إتيانهم ولا تصديقهم.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الطب.
(قال علي) هو ابن المديني (قال عبد الرزاق) بن همام (مرسل الكلمة من الحق) أي أن عبد الرزاق كان يرسل هذا القدر من الحديث (ثم) قال علي بن المديني (بلغني أنه) أي عبد الرزاق (أسنده) إلى عائشة (بعده) ولأبي ذر وابن عساكر بعد أي بعد ذلك وقد أخرجه مسلم عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق موصولاً كرواية هشام بن يوسف عن معمر والاختطاف المذكور في الحديث مستعار للكلام من فعل الطير كما قال تعالى: ﴿فتخطفه الطير﴾ [الحج: ٣١].