وإذا تخيلت السماء تغير لونه، وخرج ودخل، وأقبل وأدبر، فإذا أمطرت سرّي عنه، فعرفت ذلك
عائشة فسألته، فقال: "لعله يا عائشة كما قال قوم عاد ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا﴾ [الأحقاف: ٢٤].
وعصف الريح: اشتداد هبوبها، وريح عاصف: شديدة الهبوب. وتخيل السماء هنا بمعنى: السحاب، وتخيلت إذا ظهر في السحاب أثر المطر. وسرّي عنه، أي: كشف عنه الخوف وأزيل، والتشديد فيه للمبالغة. وعارض: سحاب عرض ليمطر وقوله في حديث الباب: الريح الشديدة، مخرج للخفيفة.
وروى الشافعي: ما هبت الريح إلا جثا النبي، ﷺ، على ركبتيه، قال: "اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابًا، اللهم اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحًا".
٢٦ - باب قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ «نُصِرْتُ بِالصَّبَا»
(باب قول النبي، ﷺ. نصرت بالصبا) بفتح الصاد والموحدة والقصر.
١٠٣٥ - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ».
[الحديث ١٠٣٥ - أطرافه في: ٣٢٠٥، ٣٣٤٣، ٤١٠٥].
وبه قال: (حدّثنا مسلم) هو: ابن إبراهيم (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بفتحتين، هو: ابن عتيبة (عن مجاهد) هو: ابن جبر المفسر (عن ابن عباس) ﵄ (أن النبي ﷺ قال:).
(نصرت بالصبا) الريح التي تجيء من قبل ظهرك إذا استقبلت القبلة وأنت بمصر، ويقال لها: القبول، بفتح القاف، لأنها تقابل باب الكعبة إذ مهبها من مشرق الشمس.
وقال ابن الأعرابي: مهبها من مطلع الثريا إلى بنات نعش. وفي التفسير: أنها التي حملت ريح يوسف إلى يعقوب قبل البشير إليه. فإليها يستريح كل محزون.
ونُصْرَته ﵊ بالصبا كانت يوم الأحزاب، وكانوا زهاء اثني عشر ألفًا حين حاصروا المدينة، فأرسل الله عليهم ريح الصبا باردة، في ليلة شاتية، فسفت التراب في وجوههم، وأطفأت نيرانهم، وقلعت خيامهم، فانهزموا من غير قتال. ومع ذلك فلم يهلك منهم أحد، ولم يستأصلهم، لما علم الله من رأفة نبيه ﵊ بقومه رجاء أن يسلموا.