أي مثل وضوئه وأطلق وضوءه عليه مبالغة (فأكفأ) بهمزتين أي أفرغ الماء (على يده من التور) المذكور (فغسل يديه) بالتثنية قبل أن يدخلهما في التور، وفي رواية فغسل يده بالإفراد على إرادة الجنس (ثلاثًا) أي ثلاث مرات (ثم أدخل يده في التور) أيضًا (فمضمض واستنشق واستنثر ثلاث) وفي رواية الأصيلي بثلاث (غرفات) بفتح الغين والراء ويجوز ضمهما وضم الغين مع إسكان الراء وفتحها يمضمض من كل واحدة من الثلاث ثم يستنشق وصححه النووي، أو بثلاث غرفات يتمضمض بها وثلاث يستنشق بها وهي أضعف الصور الخمسة المتقدمة التي ذكروها، والثالثة بغرفة بلا خلط، والرابعة بغرفة مع الخلط، والخامسة الفصل بغرفتين، والسُّنة تحصل بالوصل والفصل قاله في المجموع. وعطف استنثر على سابقه يدل على تغايرهما كما قاله البرماوي كالكرماني، وتعقب بأن ابن الأعرابي وابن قتيبة جعلاهما واحدًا فلا تغاير، وحينئذ فيكون عطف تفسير. (ثم أدخل يده) بالإفراد في التور (فغسل وجهه ثلاثًا) وليس فيه ذكر اشتراط نية الاغتراف من الماء القليل (ثم غسل يديه) كل واحدة (مرتين إلى المرفقين) بكسر الميم وفتح الفاء العظم الناتئ في الذراع "وإلى" بمعنى "مع" أي مع المرفقين (ثم أدخل يده) بالإفراد في الإناء (فمسح رأسه) كله ندبًا بيديه (فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة ثم غسل رجليه إلى الكعبين) أي معهما وهما العظمان الناتئان عند ملتقى الساق والقدم، وقال مالك الملتصقان بالساق المحاذيان للعقب.
(باب استعمال فضل وضوء الناس) أي استعمال فضل الماء الذي يبقى في الإناء بعد الفراغ من الوضوء في التطهير وغيره كالشرب والعجين والطبخ، أو المراد ما استعمل في فرض الطهارة عن الحدث وهو ما لا بدّ منه أثم بتركه أولاً كالغسلة الأولى فيه من المكلف أو من الصبي لأنه لا بدّ لصحة صلاته من وضوئه، فذهب الشافعي في الجديد إلى أنه طاهر غير طهور لأن الصحابة ﵃ لم يجمعوا المستعمل في أسفارهم القليلة الماء ليتطهروا به بل عدلوا عنه إلى التيمم، وفي القديم وهو مذهب مالك أنه طاهر طهور وهو قول النخعي والحسن والبصري والزهري والثوري لوصف الماء في قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان: ٤٨] المقتضي تكرار الطهارة به كضروب لمن يتكرر منه الضرب. وأجيب: بتكرر الطهارة به فيما يتردّد على المحل دون المنفصل جمعًا بين الدليلين، وعن أبي حنيفة في رواية أبي يوسف أنه نجس مخفف، وفي رواية الحسن بزيادة عنه نجس مغلظ، وفي رواية محمد بن الحسن وزفر طاهر غير طهور وهو الذي عليه الفتوى عند الحنفية، واختاره المحققون من مشايخ ما وراء النهر، وقال في المفيد: إنه الصحيح والأصح أن المستعمل في نفل الطهارة طهور على الجديد.