ويقوّيه نحو: من في قوله: ما جاءني من رجل أفاد تنصيص العموم، وإلا فالعموم مستفاد بحسب الظاهر كما فهمه الصحابة من هذه الآية، وبيّن لهم النبي ﷺ أن ظاهره غير مراد، بل هو من العام الذي أريد به الخاص، والمراد بالظلم أعلى أنواعه وهو الشرك، وإنما فهموا حصر الأمن والاهتداء فيمن لم يلبس إيمانه حتى ينتفيا عمن لبس من تقديم لهم على الأمن في قوله لهم الأمن أي: لهم لا لغيرهم ومن تقديم وهم على مهتدون. وفي الحديث أن المعاصي لا تسمى شركًا وأن من لم يشرك بالله شيئاًً فله الأمن وهو مهتدٍ. لا يقال: إن العاصي قد يعذب فما هذا الأمن والاهتداء الذي حصل له؟ لأنه أجيب بأنه آمن من التخليد في النار مهتدِ إلى طريق الجنة انتهى.
وفيه أيضًا: أن درجات الظلم تتفاوت كما ترجم له، وأن العامّ يطلق ويراد به الخاصّ، فحمل الصحابة ذلك على جميع أنواع الظلم، فبين الله تعالى أن المراد نوع منه، وأن المفسر يقضي على المجمل، وأن النكرة في سياق النفي تعم، وأن اللفظ يحمل على خلاف ظاهره لمصلحة دفع التعارض.
وفي إسناده رواية ثلاثة من التابعين بعضهم عن بعض وهم: الأعمش عن شيخه إبراهيم النخعي عن خاله علقمة بن قيس والثلاثة كوفيون فقهاء، وهذا أحد ما قيل فيه إنه أصح الأسانيد، وأمن تدليس الأعمش بما وقع عند المؤلف فيما مرّ في رواية حفص بن غياث عنه حدّثنا إبراهيم، وفيه التحديث بصورة الجمع والإفراد والعنعنة، وأخرج متنه المؤلف أيضًا في باب أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وفي التفسير، ومسلم في الإيمان والترمذي.
ولما فرغ المؤلف من بيان مراتب الكفر والظلم وأنها متفاوتة عقبه بأن النفاق كذلك فقال:
٢٤ - باب عَلَامَةِ الْمُنَافِقِ
هذا (باب علامات المنافق) جمع علامة وهي ما يستدل به على الشيء، وعدل عن التعبير بآيات المنافق المناسب للحديث المسوق هنا للعلامات موافقة لما ورد في صحيح أبي عوانة، ولفظ باب ساقط عند الأصيلي، والجمع في العلامات رواية الأربعة. والنفاق لغة مخالفة الظاهر للباطن فإن كان في اعتقاد الإيمان فهو نفاق الكفر، وإلا فهو نفاق العمل ويدخل فيه الفعل والترك وتتفاوت مراتبه، ولفظ المنافق من باب المفاعلة وأصلها أن تكون بين اثنين لكنها هنا من باب خادع وطارق.