جمعهما لكان حسنًا. قال في الفتح: ولهذا الترد أتى البخاري في ترجمته لهذا الباب بالاستفهام فقال: هل يقول إني صائم إذا شتم. وقال الروياني: إن كان رمضان فليقل بلسانه وإن كان غيره فليقل في نفسه: (إني امرؤ صائم) قال في الرواية السابقة في باب فضل الصوم مرتين (و) الله (الذي نفس محمد بيده لخلوف) بضم الخاء على الصواب ولأبي ذر عن الكشميهني: لخلف بضم الخاء واللام وحذف الواو جمع خلفة بالكسر أي تغير رائحة (فم الصائم) لخلاء معدته من الطعام ولأبي ذر في نسخة: في الصائم بغير ميم بعد الفاء (أطيب عند الله) يوم القيامة كما في مسلم أو في الدنيا لحديث فإن خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله (من ريح المسك). وفيه إشارة إلى أن رتبة الصوم علية على غيره لأن مقام العندية في الحضرة المقدسية أعلى المقامات السنية، وإنما كان الخلوف أطيب عند الله من ريح المسك لأن الصوم من أعمال السر التي بين الله تعالى وبين عبده ولا يطلع على
صحته غيره، فجعل الله رائحة صومه تنم عليه في الحشر بين الناس، وفي ذلك إثبات الكرامة والثناء الحسن له وهذا كما قال ﵊ في المحرم: فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا وفي الشهيد: يبعث وأوداجه تشخب دمًا تشهد له بالقتل في سبيل الله ويبعث الإنسان على ما عاش عليه. قال السمرقندي: يبعث الزامر وتتعلق زمارته في يده فيلقيها فتعود إليه ولا تفارقه، ولما كان الصائم يتغير فمه بسبب العبادة في الدنيا والنفوس تكره الرائحة الكريهة في الدنيا جعل الله تعالى رائحة فم الصائم عند الملائكة أطيب من ريح المسك في الدنيا وكذا في الدار الآخرة، فمن عبد الله تعالى وطلب رضاه في الدنيا فنشأ من عمله آثار مكروهة في الدنيا فإنها محبوبة له تعالى وطيبة عنده لكونها نشأت عن طاعته واتباع مرضاته، ولذلك كان دم الشهيد ريحه يوم القيامة كريح المسك، وغبار المجاهدين في سبيل الله ذريرة أهل الجنة كما ورد في حديث مرسل.
(للصائم فرحتان) خبر مقدم ومبتدأ مؤخر (يفرحهما) أي يفرح بهما فحذف الجار توسعًا كقوله تعالى فليصمه أي فيه (إذا أفطر فرح)، زاد مسلم بفطره أي لزوال جوعه وعطشه حيث أبيح له الفطر وهذا الفرح الطبيعي، أو من حيث إنه تمام صومه وخاتمة عبادته وفرح كل أحد بحسبه لاختلاف مقامات الناس في ذلك، (وإذا لقي ربه)﷿(فرح بصومه) أي بجزائه وثوابه أو بلقاء ربه وعلى الاحتمالين فهو مسرور بقبوله.
١٠ - باب الصَّوْمِ لِمَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعُزُوبَةَ
(باب) مشروعية (الصوم لمن خاف على نفسه العزوبة) أي ما ينشأ عنها من إرادة الوقوع في العنت ولأبي ذر العزبة بضم العين وسكون الزاي وحذف الواو.