قلت ثبت فيما سبق في باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به، من رواية أبوي الوقت وذر: أجمعين بالنصب مع ما فيه. وهذا الحكم منسوخ بما ثبت في مرض موته.
يستفاد من ذلك وجوب متابعة الإمام. فيكبر للإحرام بعد فراغ الإمام منه، فإن شرع فيه قبل فراغه لم تنعقد، لأن الإمام لا يدخل في الصلاة إلاّ بالفراغ من التكبير، فالاقتداء به في أثنائه اقتداء بمن ليس في صلاة، بخلاف الركوع والسجود ونحوهما، فيركع بعد شروع الإمام في الركوع، فإن قارنه أو سبقه فقد أساء ولا تبطل، وكذا في السجود يسلم بعد سلامه، فإن سلم قبله بطلت إلا أن ينوي المفارقة، أو معه فلا تبطل، لأنه تحلل، فلا حاجة فيه للمتابعة بخلاف لسبق، فإنه منافٍ للاقتداء.
وبالسند قال:(حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) إمام دار الهجرة (عن ابن شهاب) الزهري (عن سالم بن عبد الله عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب (أن رسول الله ﷺ كان يرفع يديه) استحبابًا (حذو منكبيه) بالحاء المهملة والذال المعجمة، أي إزاءهما ندبًا لا فرضًا، خلافًا لأحمد بن سيار المروزي فيما نقله القفال في فتاويه، وممن قال بالوجوب أيضًا الأوزاعي والحميدي شيخ المؤلّف، وابن خزيمة من أصحابنا، والمراد بحذو منكبيه، كما قاله النووي في شرح مسلم وغيره؛ أن تحاذي أطراف أصابعه أعلى أُذنيه، وإبهاماه شحمتى أُذنيه، وراحتاه منكبيه (إذا افتتح الصلاة) أي: يرفعهما مع ابتداء التكبير، ويكون انتهاؤه مع انتهائه كما هو الأصح عند الشافعية، ورجحه المالكية، وقيل: يرفع بلا تكبير، ثم يبتدئ التكبير مع إرسال اليدين وقبل أن يركع.
وقال صاحب الهداية من الحنفية: الأصح يرفع ثم يكبر، لأن الرفع صفة نفي الكبرياء عن غير الله، والتكبير إثبات ذلك له، والنفي سابق على الإثبات كما في كلمة الشهادة.