وبه قال:(حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: كان محمد بن جبير بن مطعم) بضم الميم وكسر العين بينهما طاء مهملة ساكنة القرشي (يحدّث أنه بلغ معاوية) بن أبي سفيان (وهو عنده) أي والحال أن محمد بن جبير عند معاوية ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وهم عنده بالميم بدل الواو (في وفد من قريش) أي محمد بن جبير ومن كان معه من الوفد الذين أرسلهم أهل المدينة إلى معاوية ليبايعوه وذلك حين بويع له بالخلافة لما سلم له الحسن بن علي بن أبي طالب ﵄. قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسم الذي بلغه ولا على أسماء الوفد (أن عبد الله بن عمرو) بفتح العين ابن العاص وهو في موضع رفع فاعل بلغ وقوله (يحدّث أنه) أي الشأن (سيكون ملك من قحطان فغضب) معاوية من ذلك (فقام) خطيبًا (فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإنه بلغني أن رجالاً منكم يحدّثون) ولأبي ذر عن الكشميهني يتحدّثون بزيادة فوقية بعد التحتية المفتوحة (أحاديث) جمع حديث على غير قياس. قال الفرّاء: نرى أن واحد الأحاديث أُحدوثة ثم جعلوه جمعًا للحديث (ليست في كتاب الله ولا تؤثر) بضم أوله مبنيًّا للمفعول ولا تنقل (عن رسول الله ﷺ). والمراد بكتاب الله القرآن وهو كذلك فليس فيه تنصيص أن شخصًا بعينه أو بوصفه يتولى الملك في هذه الأمة المحمدية ولم يصرح بذكر ابن عمرو بل قال: بلغني أن رجالاً منكم على الإبهام ومراده عبد الله بن عمرو ومن وقع منه التحديث بذلك مراعاة لخاطر عمرو (وأولئك) الذين يتحدّثون بأمور الغيب من غير استناد إلى الكتاب والسُّنّة (جهالكم) بضم الجيم وتشديد الهاء جمع جاهل (فإياكم والأمانيّ) بتشديد التحتية وتخفف احذروا الأماني (التي تضل أهلها) بضم الفوقية وكسر الضاد المعجمة وأهلها نصب على المفعولية صفة للأماني (فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول):
(إن هذا الأمر) أي الخلافة (في قريش لا يعاديهم أحد إلاّ كبّه الله على وجهه) أي ألقاه ولأبي ذر في النار على وجهه أي ألقاه فيها وهو من الغرائب إذ أكبّ لازم وكب متعدٍّ عكس المشهور والمعنى لا ينازعهم في أمر الخلافة أحد إلا كان مقهورًا في الدنيا معذّبًا في الآخرة (ما أقاموا الدين) ما مصدرية والوقت مقدر وهو متعلق بقوله كبّه الله أي مدة إقامتهم أمور الدين فإذا لم يقيموه خرج الأمر عنهم هذا مفهومه.
وذكر محمد بن إسحاق في كتابه الكبير قصة سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر وفيها فقال أبو بكر: إن هذا الأمر في قريش ما أطاعوا الله واستقاموا على أمره، ومن ثم لما استخف الخلفاء بأمر الدين تلاشت أحوالهم بحيث لم يبق لهم من الخلافة إلا الاسم فلا حول ولا قوة إلا بالله، وقول السفاقسي أجمعوا أن الخليفة إذا دعا إلى كفر أو بدعة يقام عليه تعقب بأن المأمون والمعتصم والواثق كلٌّ منهم دعا إلى بدعة القول بخلق القرآن وعاقبوا العلماء بسبب ذلك بالضرب والقتل والحبس وغير ذلك، ولم يقل أحد بوجوب الخروج عليهم بسبب ذلك.