نعمة ثالثة من إذ يعدكم أي يغطيكم (﴿النعاس أمنة﴾) نصب مفعولاً له (﴿منه﴾) يعني أمنًا من عند الله ﷿ قال ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه -: والنعاس في القتال أمنة من الله تعالى وفي الصلاة من الشيطان لعنه الله تعالى، وقال قتادة: النعاس في الرأس والنوم في القلب، وقال ابن كثير: أما النعاس نقد أصابهم يوم أُحد وأما يوم بدر فتدل له هذه الآية أيضًا (﴿وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به﴾) من الحدث والجنابة وهو طهارة الظاهر (﴿ويذهب عنكم رجز الشيطان﴾) وسوسته وكيده وهو تطهير الباطن (﴿وليربط على قلوبكم﴾) بالصبر والإقدام على مجالدة العدوّ وهو شجاعة الباطن (﴿ويثبت به الأقدام﴾) أي بالمطر حتى لا تسوخ في الرمل وهو شجاعة الظاهر أو بالربط على القلوب حتى تثبت في المعركة.
وعن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: نزل رسول الله ﷺ يعني حين سار إلى بدر والمشركون بينهم وبين الماء رملة دعصة فأصاب المسلمين ضعف شديد وألقى الشيطان في قلوبهم الغيظ يوسوس بينهم تزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسوله وقد غلبكم المشركون على الماء، وأنتم تصلون مجنبين فأمطر الله ﷿ عليهم مطرًا شديدًا فشرب المسلمون وتطهروا وأذهب الله ﷿ عنهم رجز الشيطان وأنشف الرمل حين أصابه المطر ومشى الناس عليه والدواب فساروا إلى القوم وأمد الله ﷿ نبيه ﷺ والمؤمنين بألف من الملائكة فكان جبريل ﵇ في خسمائة مجنبة وميكائيل في خمسمائة مجنبة.
(﴿إذ يوحي ربك﴾) متعلق بقوله: و ﴿يثبت﴾ أو بدل ثالث من قوله: وإذ (﴿إلى الملائكة أني معكم﴾) مفعول يوحي أي أني ناصركم ومعينكم (﴿فثبتوا الذين آمنوا) بشروهم بالنصر فكان الملك يمشي أمام الصف ويقول: أبشروا فإنكم كثير وعدوّكم قليل والله تعالى ناصركم (﴿سألقي﴾) سأقذف (﴿في قلوب الذين كفروا الرعب﴾) يعني الخوف من رسول الله ﷺ والمؤمنين ثم علم كيف يضربون ويقتلون فقال: (﴿فاضربوا فوق الأعناق﴾) أي على الأعناق التي في المذابح أو الرؤوس (﴿واضربوا منهم كل بنان﴾) أي أصابع أي حزوا رقابهم واقطعوا أطرافهم (﴿ذلك﴾) يعني الضرب والقتل (﴿بأنهم شاقوا الله ورسوله﴾) أي بسبب مشاققتهم أي مخالفتهم لهما إذ كانوا في شق وتركوا الشرع والإيمان وأتباعه في شق (﴿ومن يشاقق الله ورسوله﴾) يخالفهما (﴿فإن الله شديد العقاب﴾)[الأنفال: ٩ - ١٣] كذا ساق الآيات كلها في رواية كريمة، ولأبي ذر وابن عساكر: ﴿إذ تستغيثون ربكم﴾ إلى قوله: ﴿العقاب﴾ وللأصيلي إلى قوله: ﴿فإن الله شديد العقاب﴾ وسقط لهم ما بعد ذلك.