للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإمام محمد - رحمه الله - عندما رأى حال الناس فأوضح وقال: لا أقول: إيماني كإيماني جبرئيل، بل أقول: آمنت بما آمن به جبرئيل، ولم يتركوا شيئًا من الاحتياط إلا وأخذوا به، ومن لم يفهم مع ذلك أيضًا فحسيبه الله.

وانظروا الإمام البخاري نفسه مع احتياطه الكامل في مسألة خلق القرآن كم لاقى من مخالفيه ومعترضيه، وما ورد في منقبة القرآن الكريم قوله تعالى: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا} [البقرة: ٢٦]، فقد حصل لهؤلاء الأكابر بسبب الحسَّاد من هذه المنقبة نصيبهم، انتهى.

وفي هامش "اللامع" (١): قال صاحب "الدر المختار" (٢) في مسألة الطلاق: إن الكاف للتشبيه في الذات، و"مِثْلٌ" للتشبيه في الصفات، ولذا قال أبو حنيفة: إيماني كإيمان جبرئيل لا مثل إيمان جبرئيل، كذا في "البحر".

قال ابن عابدين: لزيادته في الصفة من كونه عن مشاهدة فيحصل به زيادة الاطمئنان، كما أشير إليه في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} الآية [البقرة: ٢٦٠]، وبه يحصل زيادة القرب ورفع المنزلة، لكن ما نقل عن الإمام هنا يخالفه ما في "الخلاصة" من قوله: قال أبو حنيفة: أكره أن يقول الرجل: إيماني كإيمان جبرئيل، ولكن يقول: آمنت بما آمن به جبرئيل، وكذا ما قاله أبو حنيفة في كتاب "العالم والمتعلم": إن إيماننا مثل إيمان الملائكة؛ لأنا آمنَّا بوحدانية الله تعالى وربوبيته وقدرته، وما جاء من عند الله تعالى بمثل ما أقرت به الملائكة وصدقت به الأنبياء والرسل، فمن ههنا إيماننا مثل إيمانهم؛ لأنا آمنا بكل شيء آمنت به الملائكة مما عاينته من عجائب الله ولم نعاينه نحن، ولهم بعد ذلك علينا فضائل في الثواب على الإيمان وجميع العبادات، ولا يخفى أن بين هذه العبارات


(١) "لامع الدراري" (١/ ٦٠٠).
(٢) انظر: "رد المحتار على الدر المختار" (٤/ ٤٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>