للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثلاث تخالفًا بحسب الظاهر، ويمكن التوفيق بحمل الأولى على العالِم، والثانية على غيره لقوله: أكره أن يقول الرجل، والثالثة على ما إذا فصَّل وصرَّح بالمؤمن به وإن كان بلفظ المثلية لعدم الإبهام بعد التصريح، فيجوز للعالم والجاهل، انتهى.

وبسط الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع" (١) في شرح قول ابن أبي مليكة فقال: وقيل: هذا رد على الإمام الهمام قدوة الأنام أبي حنيفة النعمان رضي الله تعالى عنه، فيما قاله من أن إيماني كإيمان جبرئيل، فإن كان الأمر على ما زعمه صاحب القيل، فحسبنا الله ونعم الوكيل، فإن الإمام رضي الله تعالى عنه لم يرم في مقالته هذه شططًا، ولم يركب فيها زيغًا عن المحجة ولا غلطًا.

أما أولًا: فلأن المقالة المعزية إليه في بعض التصانيف هي هذه: إيماني كإيمان جبرئيل، ولا أقول: مثل إيمان جبرئيل، وقد عُرف الفرق بينهما، فإن الأول: يقتضي مشاركة في أي وصف كان، والثاني يستدعي المماثلة والمساواة، وعلى هذا فلا ضير في تشبيه إيمانه بإيمانه باعتبار اتحاد المؤمَن به فيهما، فإن جبرئيل مؤمن بعين ما آمن به كل مؤمن، فالإيمان الإجمالي يتَّحد منهم أجمعين، وإنما الفرق والتفاضل بحسب تفاصيله، ولم يشبه إيمانه التفصيلي بإيمانه التفصيلي.

وأما ثانيًا: فلأن الإيمان متزايد بتزايد مراتب اليقين ومتناقص بتناقصه، وهذا بعد أن يكون داخلًا في الحدِّ المعتبر شرعًا للإيمان، وأما ما دونه الذي لم يدخل تحت التصديق واليقين فلا كلام فيه، وإنما الكلام ههنا في مراتبه، فنقول: إذا كان المناط في قوة الإيمان وضعفه هو اليقين، فأي استحالة في بلوغ أحد من العباد المؤمنين ما بلغه الملائكة من الإذعان واليقين، والفرق بين علم اليقين وعين اليقين وإن كان كثيرًا شائعًا إلا أنه


(١) "لامع الدراري" (١/ ٥٩٩ - ٦٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>