أو كثيرًا، وشذّ قوم فجعلوا المائع كالماء، وسلك داود في ذلك مسلكهم إلا في السمن الجامد والذائب، فإنه تبع ظاهر هذا الحديث، وخالف معناه في العسل والخلّ وسائر المائعات، انتهى.
وقال الموفق: إن النجاسة إذا وقعت في مائع غير الماء نجسته وإن كثر، وهذا ظاهر المذهب، وعن أحمد رواية أخرى: أنه كالماء لا ينجس إذا كثر، أي: بلغ القلتين. . .، إلى آخر ما في "الأوجز". وتقدم شيء من الكلام على المسألة في "كتاب الطهارة" في "باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء".
والحاصل: أن الإمام البخاري رحمه الله تعالى لم يفرق بين مسألة الماء والمائع، وكذا لم يفرق بين المائع والجامد، خلافًا للجمهور فإنهم فرقوا بين مسألة الماء والمائع غير الماء، وكذا بين الجامد وغير الجامد، وقد تكلم صاحب "الفيض"(١) على تحقيق مسلك المصنف في مسألة الباب، فارجع إليه لو اشتقت.
[(٣٤ - باب العلم والوسم في الصورة)]
العَلَم بفتحتين بمعنى العلامة، والوسم بالسين المهملة وقيل بالمعجمة، ومعناهما واحد، وهو: أن يعلم الشيء بشيء يؤثر فيه تأثيرًا بليغًا، وأصل ذلك أن يجعل في البهيمة ليميزها عن غيرها، وقيل: الوسم بالمهملة في الوجه، وبالمعجمة في سائر الجسد، فعلى هذا الصواب بالمهملة (أي: في الترجمة) لقوله: "في الصورة". وفي "التوضيح": الوسم في الصورة مكروه عند العلماء كما قاله ابن بطال، وعندنا حرام.
وقال النووي: الضرب في الوجه منهي عنه في كل حيوان محترم، لكنه في الآدمي أشدّ؛ لأنه مجمع المحاسن، وأما الوسم ففي الآدمي حرام وفي غيره مكروه.