للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[٣٤ - كتاب البيوع]

ولما فرغ البخاري عن بيان العبادات المقصود منها التحصيل الأخروي، شرع في بيان المعاملات المقصود منها التحصيل الدنيوي، فقدّم العبادات لاهتمامها، ثم ثنى بالمعاملات لأنها ضرورية، وأخَّر النكاح لأن شهوته متأخرة عن الأكل والشرب، وأخَّر الجنايات والمخاصمات؛ لأن وقوع ذلك في الغالب إنما هو بعد الفراغ من شهوة البطن والفرج، وأغرب ابن بطال فذكر هنا الجهاد، وأخَّر البيع إلى أن فرغ من الأيمان والنذور، قال صاحب "التوضيح" (١): ولا أدري لم فعل ذلك؟.

قلت: لعله نظر إلى أن الجهاد أيضًا من العبادات المقصود منها التحصيل الأخروي؛ لأن جلّ المقصود ذلك لأن فيه إعلاء كلمة الله تعالى وإظهار الدين ونشر الإسلام، وبعض أصحابنا قدَّم النكاح على البيوع في مصنفاتهم نظرًا إلى أنه مشتمل على المصالح الدينية والدنياوية، ألا ترى أنه أفضل من التخلي بالنوافل؟ وبعضهم قدم البيوع على النكاح نظرًا إلى أن احتياج الناس إلى البيع أكثر من احتياجهم إلى النكاح، فكان أهم بالتقديم انتهى من "العيني" (٢).

قلت: وعامة الأحناف من الفقهاء والمحدثين يقدمون النكاح على البيع وغيره من المعاملات كما فعل الإمام الطحاوي في "شرح معاني الآثار" والإمام محمد في "الموطأ" وكذا صاحب "البدائع" والإمام السرخسي في "المبسوط" وصاحب "الهداية" و"شرح الوقاية" و"الدر المختار" وغيرهم، والظاهر أن هذا اختلافهم في حكم النكاح، فعند


(١) "التوضيح" (١٤/ ١٣).
(٢) "عمدة القاري" (٨/ ٢٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>