للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما أفاده الشيخ - رحمه الله - أوجه لا سيما على مذهب الحنفية والشافعية، والعجب من الحافظ كيف استفاد من الترجمة للإشارة إلى منع ما لا يستعمل أصلًا كآنية الذهب والفضة، مع أن مذهب الشافعية جواز اتخاذها، قال ابن قدامة: لا يختلف المذهب فيما علمنا في تحريم اتخاذ آنية الذهب والفضة، وحكي عن الشافعي إباحته لتخصيص النهي بالاستعمال، ولأنه لا يلزم من تحريم الاستعمال تحريم الاتخاذ، إلى آخر ما بسط، وفي "الدر المختار": لا بأس باتخاذ الأواني منهما، أي: من الذهب والفضة للتجمل، انتهى.

[(٢٨ - باب قبول الهدية من المشركين. . .) إلخ]

كأنه أشار إلى ضعف الحديث الوارد في رد هدية المشرك، وهو ما أخرجه موسى بن عقبة في "المغازي": أن عامر بن مالك الذي يدعى ملاعب الأسنة، قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مشرك فأهدى له، فقال: "إني لا أقبل هدية مشرك" الحديث، رجاله ثقات، إلا أنه مرسل، وأخرج أبو داود والترمذي وغيرهما عن عياض بن حمار قال: أهديت للنبي - صلى الله عليه وسلم - ناقة فقال: "أسلمت؟ " قلت: لا، قال: "إني نهيت عن زبد المشركين"، والزبد بفتح الزاي وسكون الموحدة: الرفد، صححه الترمذي وابن خزيمة، وأورد المصنف عدة أحاديث دالة على الجواز، فجمع بينها الطبري بأن الامتناع فيما أهدي له خاصة والقبول فيما أهدي للمسلمين، وفيه نظر؛ لأن من جملة أدلة الجواز ما وقعت الهدية فيه له خاصة، وجمع غيره بأن الامتناع في حق من يريد بهديته التودد والموالاة، والقبول في حق من يرجى بذلك تأنيسه وتأليفه على الإسلام، وهذا أقوى من الأول، وقيل: يحمل القبول على من كان من أهل الكتاب، والرد على من كان من أهل الأوثان، وقيل: يمتنع ذلك لغيره من الأمراء، وأن ذلك من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -، ومنهم من ادعى نسخ المنع بأحاديث القبول، ومنهم من عكَس، وهذه الأجوبة الثلاثة ضعيفة، فالنسخ لا يثبت بالاحتمال ولا التخصيص، انتهى من "الفتح" (١).


(١) "فتح الباري" (٥/ ٢٣٠ - ٢٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>