للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فكأنه أثبت أنا أخذنا الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو عن جبرئيل - عليه السلام -، وهو عن الله تعالى.

فبهذين الوجهين ينحلُّ ما يورَد ههنا من أنه ليس في أكثر أحاديث الباب إثبات كيفية بدء الوحي، بل ذكر أصله، وإنما هو في حديث [واحد] فتذكر، انتهى.

وفي تراجم شيخ الهند قُدِّس سرُّه ما تعريبه ملخصًا: أنا قد قَدَّمْنا في الأصول أن المصنف قد لا يقصد بالترجمة مدلولَها المطابقيَّ، بل يشير إلى غرض خاص يقصد إثباته بأحاديث الباب كما فعل ههنا.

ويظهر ذلك بأمرين:

الأول: أنه صدَّر الكتاب بباب بدء الوحي، مع أنه ذكر كتاب فضائل القرآن في محله كما ذكره المحدثون في كتبهم، وأورد هناك عدة أبواب تتعلق بنزول الوحي، فما الذي ألجأه إلى إفراد هذا الباب ها هنا من تلك الأبواب؟ وما الذي حَرَّضه على اختيار هذا الطريق الجديد؟

فالذي يظهر من أدنى عناية، أن جميع الأصول والفروع الإسلامية، حتى نبوَّة النبي، لَمّا كانت تتوقف صحتُه على الوحي، كان ذكرُه في أول الكتاب حتى قبل الإيمان والعلم أنسبَ، كما نبَّه عليه بعض الشرَّاح المحققين.

فاستبان بذلك أن غرضَ المؤلف في هذا الباب، أن الوحي لَمّا كان مدارَ الأمور الإسلامية، وهو الدليل الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولو أن جميع العقلاء والحكماء بل جميع الخلق اجتمعوا على أن يأتوا بما يعارض حكمًا من أحكامه، لَمَا قدروا على ذلك، وهو المحك الكامل والمعيار الذي يُعرف به الجيدُ من الرديء، والصوابُ من الخطأ، فكل ما وافقه فهو الصواب، وكل ما خالفه فهو الباطل، سواء كانت العقائد، أو الأعمال، أو الفروع، أو الأصول، أو العبادات، أو المعاملات، أو الأخلاق، أو الأحوال.

<<  <  ج: ص:  >  >>