للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخامس: أنَّ أول ما نزل من القرآن {اقْرَأْ} [العلق: ١]، و {الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: ١]، وهما خاليتان عن الحمد.

السادس: تركه عمدًا لقوله تعالى: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: ١]، فلم يقدِّم على كلامه - صلى الله عليه وسلم - شيئًا من عند نفسه من الحمد وغيره.

السابع: أنه اكتفى بالحمد باللسان.

ثم قال بعد ما أورد على كلٍّ واحد من الأجوبة المذكورة: والأحسن ما سمعتُ عن بعض أساتذتي الكبار: أن الحمدَ موجودٌ في مسوَّدته، أسقطه بعض المبيِّضِين.

وردَّ على هذا الأخير الحافظُ أشدَّ الردّ، إِذ قال (١): وأبعد من ذلك كله قولُ من ادَّعى أنه ابتدأ بخطبة فيها حمد وشهادة، فحذفها بعضُ من حمل عنه الكتابَ. وكأن قائل هذا ما رأى تصانيف الأئمة من شيوخ البخاري وشيوخ شيخه وأهل عصره، كمالك في "الموطأ"، وعبد الرزاق في "المصنف"، وأحمد في "المسند"، وأبي داود في "السنن"، إلى ما لا يحصى ممن لم يقدِّم في ابتداء تصنيفه [خطبةً]، ولم يزد على التسمية، وهم الأكثر، والقليل منهم من افتتح كتابه بخطبة، أفيقال في كل من هؤلاء: إن الرواة عنه حذفوا ذلك؟ كلا، بل يُحمل ذلك من صنيعهم على أنهم حمدوا لفظًا.

ويؤيده ما رواه الخطيب في "الجامع" (٢) عن أحمد أنه كان يتلفظ بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كتب الحديث ولا يكتبها، والحامل له على ذلك إِسراعٌ أو غيرُه، أو يحمل على أنهم رأوا ذلك مختصًّا بالخُطَب دون الكتب كما تقدم، ولهذا من افتتح كتابه منهم بخطبةٍ حَمدَ وتشَهَّد كما صنع مسلم، والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب.


(١) "فتح الباري" (١/ ٩).
(٢) "الجامع لأخلاق الراوي" (رقم ٥٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>