للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأحكام، وكذلك يراد بقول المؤلف: إنه كلما ترك شيئًا من الكمال فهو ناقص، أن الدين لما كان كاملًا إذ ذاك كان الإيمان بما دونه ناقصًا نسبة إلى ذلك الذي استقر عليه الأمر وقت الإكمال وإن كان كاملًا في نفسه، فلا يلزم نقصان إيمان من مات منهم قبل إكمالها، والله أعلم، وهذا نسبة إلى الإيمان التفصيلي، فلمن آمن بعد إكمال الشرائع مزية على المؤمنين الذين ماتوا قبل الإكمال.

وأما الإيمان الإجمالي، فكلهم سواء فيه حيث آمن الأولون بعين ما آمن به الآخرون، نعم لا ينطبق على هذا المعنى للترجمة ما أورد فيه من الرواية؛ لأنه لا يمكن التفريق والتفاوت بين المؤمنين باعتبار المؤمن به، فكيف يمكن أن يقال في قوله: "أخرجوا من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان" (١): إنه تقليل باعتبار قلة المؤمن به؟ وذلك لأن الإيمان بالبعض دون البعض مما أُمرنا أن نؤمن به عين الكفر، فلا جواب إلا باعتبار التفاوت في الأعمال.

فيكون حاصل الرواية: أن المؤمنين بعد ما آمنوا بما أمروا بالإيمان به، يتفاوتون بينهم تفاوتًا كثيرًا، فمنهم من ليس له من الخير إلا ذرة، ومنهم من له فوق ذلك، فأما إذا عمَّم في الترجمة بحيث يشمل الزيادة والنقصان بحسب الكيفية، والتفاوت بحسب المؤمن به، فالتطبيق بين الترجمة والرواية سهل، فإن مراتب الكيفيات ودرجات التصديق متفاوتة، فمنهم من أشد استيقانًا ومنهم من دون ذلك، إلا أن الكل منهم متصفون بالإيمان المتوقف عليه النجاة من الخلود في النار، وهذه المراتب من الذرة أو ما فوقها فيما فوق ذلك، انتهى.

وبسط الكلام على ذلك في هامشه، وفيه:

قال الحافظ (٢): تقدم قبلُ بستة عشر بابًا "باب تفاضل أهل الإيمان في


(١) أخرج البخاري (ح: ٢٢)، ومسلم (ح: ١٨٣، ١٨٤)، والنسائي (ح: ٥٠١٠).
(٢) "فتح الباري" (١/ ١٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>