للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويظهر منه أن الظلم العظيم هو الشرك، وأما سائر المعاصي والذنوب فداخلة في مرتبة ما دون الظلم العظيم، فظهر بهذا الباب بنوع وضاحة تحقيق ما أراده المؤلف في الترجمتين السابقتين، وهما: كفر دون كفر، والمعاصي من أمر الجاهلية، وظهر أن المعاصي داخلة في الشرك والكفر، لكن لا يغفل عما قال المؤلف: "لا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك"، ويجب التمسك به بقوة وإلا فيلزم خلاف ما رامه المؤلف، ونظرًا إلى هذه الخطرات لم يفصح المؤلف، بل أشار إلى مدَّعاه في أبواب شتى بتغير العنوان وتبديل البيان، والله أعلم.

(أينا لم يظلم) كتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع" (١): استشكل عليهم ما يتبادر من العموم حيث وقعت النكرة تحت النفي، والتجنب بأنواع الظلم بأسرها بحيث يتناول المكروهات التنزيهية والتحريمية، والصغار من المعاصي والكبار متعذر على غير الأنبياء لعصمتهم، فأجاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن اللبس قرينة على أن المراد بالظلم معظم أفراده وهو الشرك، وأما اللمم فليست لها في جنبة الإسلام من وجود، وكذا الكبائر من المعاصي فإنها تتلاشى في زاخر الإيمان إلا الكفر، فالآية مسوقة لبيان أن الظلم يطلق على الكفر والشرك، وأنه معظم أنواعه، وأما الجواب ففي تنكير الظلم أنه للتعظيم بقرينة اللبس، انتهى.

وبسط في هامشه الكلامَ على أكثر كلام الشيخ قُدِّس سرُّه، وكتب على قوله: إنه للتعظيم بقرينة اللبس، فقال: لله در الشيخ ما أجاد فيما أفاد، فإن اللبس، أي: الخلط، يشعر إلى عظمة ما خالطه، فإن الشيء القليل الذي يتلاشى في البحر العظيم لا يقال فيه: الخلط، فكذا الإيمان بحر عظيم والمعاصي بجنبه أجزاء متلاشية، بخلاف الكفر فإنه مقابل للإيمان فيصدق عليه الخلط بداهة، انتهى.


(١) "لامع الدراري" (١/ ٥٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>