أمروا أن يسندوا إليها صورة الإسلام وظاهره، وهذا هو المراد في الرواية حيث نهى سعدًا أن يحكم على رجل بالإيمان لكونه أمرًا مبطنًا عنه خفيًا أمره عليه، وكذلك الإسلام الحقيقي.
نعم إن له أن يحكم على من رآه آتيًا بأوامر الشرع مجتنبًا عن ارتكاب نواهيه بأنه مسلم بمعنى منقاد، وذلك لأنه متيقن به غير مشكوك فيه، وأما الحكم بالإيمان والإسلام الحقيقيين فلا يمكن إلا ظنًّا عبرةً للظاهر، وهو وإن كان جائزًا لِما أُمرنا به من بناء الحكم على ظواهر ما نراه، إلا أنه خلاف الأدب لكون الحكم بحسب الواقع على ما لم يعلم، فافهم فإن فيه دقة ما.
ثم إن كلمة "أو" في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أو مسلمًا" ظاهرها أنها بمعنى "بَل"، حيث أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - رده عما قال فيه، وجزم إلى ما هو متيقن به منه وهو الانقياد الظاهري، وذلك لعدم تيقن سعد بما في قلبه من الإيمان والكفر، وإن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم منه أنه مؤمن كما هو الظاهر من قوله وهو:"أحب إليّ"، ويمكن كونها أيضًا للشك، فإنه لما لم يتبين عنده إيمانه أو نفاقه والتبس عليه فلم يكن تعيين أحد الأمرين من شأنه، فكان عليه أن يقول: إني أراه مؤمنًا إن كان باطنه كظاهره، أو مسلمًا إن لم يكن كذلك، فقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أو مسلمًا" عطف على مفعول قوله: "أراه" ومثل ذلك في الكلام كثير، انتهى.
وفي هامشه: وفي تقرير الشيخ المكي - رحمه الله - عن الشيخ الكَنكَوهي قُدِّس سرُّه: قوله: "على الحقيقة" أي: على الحقيقة الشرعية بل يكون على الحقيقة اللغوية، وجزاء الشرط محذوف: فلا يعتبر به عند الله، و"الأعراب" المنافقون، وقوله:"أسلمنا" فإطلاق الإسلام ههنا حقيقة لغوية ومجاز شرعي، إذ لا فرق في الشرع بين الإيمان والإسلام والدين إلا بالاعتبار، وبسط في هامش "اللامع" الكلام على هذا الباب أشد البسط، وذكر فيه