للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطاهرةَ المدينةَ المنورةَ صبيحة يوم الأحد الثامن والعشرين من ذي الحجة سنة أربع وثمانين وثلاثمائة بعد الألف، فرأيت رؤيا في إقامتي بتلك البلدة المباركة كأني واقف بالمسجد النبوي بين باب السعود وباب عمر بجانب المكان الذي كان الشيخ محمد يوسف - رحمه الله - يخطب فيه كل يوم خطبته التبليغية قريبًا من باب عمر، ورأيت جمعًا كثيرًا من العلماء من العرب والعجم، وكلهم يصرُّون عليّ أن أدرِّسَهم "الجامع الصحيح" للبخاري، وأنا لقلة بضاعتي ونقصان باعي أعتذر إليهم بأني لستُ بأهلٍ لهذا، وأيضًا لم أصحب معي الزاد العلميَّ من الكتب ونحوها؛ لأني لم أحضر بقصد القيام الطويل، بل بنية الزيارة لعدة أيام فقط.

ثم رأيت أنَّ حضرة الإمام البخاري - رحمه الله - متفضِّل بالجلوس عن يميني ويقول: نعم دَرِّسْ وأنا بجوارك، وحيث تكون الحاجة سأرشدك. فجلست في موضعي تلبيةً لأمره السامي، وبدأت بتدريس "جامع البخاري"، وبيَّنتُ وجوهَ عدم ذكر الخطبة والحمد والصلاة، فذكرتُ الوجوهَ السبعةَ، وكذا الوجوهَ الأُخَرَ التي تُذْكَر عند الشروع في "الكافية" لابن حاجب، فقال حضرة الإمام البخاري: إن حقيقة الأمر في هذا: هو أني لم أؤلِّفْ هذا "الجامع الصحيح" على الصورة الكتابية بحيث أن يكون تأليفه من أوله إلى آخره جملةً كما هي العادة في تأليف الكتب، وإنما هي مجموعةُ كراساتٍ فيها أبواب وكتب مختلفة جُمعت بعدئذ فصارت كتابًا. انتهت الرؤيا.

قُلتُ: لا شك أن هذا التوجيه لطيف.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>