من التصنيف والتأليف، وفي شوال من السنة المذكورة لشدة نزول الماء بالعين الذي كان بدؤه منذ عشر سنين حُرمت من تدريس "صحيح البخاري" كذلك، فقدمت متأسفًا على حرماني من الاشتغال بالحديث النبوي إلى المدينة المنورة رجاء التمتع ببركاتها.
وفي أثناء إقامتي ها هنا جاشَ خاطري لطبع تأليفي القديم "جزء حجة الوداع" الذي كتبته سنة اثنتين وأربعين كما ذكرت ذلك مفصَّلًا في اختتام التأليف المذكور، وعند رجوعي إلى الهند سمعته من بعض أعزّائي، كما ذكر في اختتامه أيضًا، فبعد توضيح مجملاته وتفصيل إشاراته طبع مرتين في سنة تسعين بمجرد لطف الله وكرمه مع إلحاق جزء العمرات إليه (١).
ثم في أواخر سنة تسعين قُدِّر لي الحضور عند الأقدام العالية، فجال بخاطري مستبركًا بهذه البقعة المباركة أن أستمع الملاحظات التي جمعتها عند تدريسي لـ "صحيح البخاري" مما يتعلق بتراجمه من عزيزي الحاج المولوي عبد الحفيظ المكي سلَّمه الله تعالى، والرجاء من الباري الكريم أن يقدر لطباعته سبيلًا، فيكون هذا أيضًا نافعًا إن شاء الله تعالى، فإن "جزء حجة الوداع" أيضًا هكذا أسمعنيه بعض أصدقائي فقد طبع، وبهذا الرجاء شرعت في استماعه اليوم الساعة الرابعة ضحى الأربعاء في الثامن والعشرين من ذي الحجة سنة تسعين وثلاث مائة وألف عند أقدامه العالية المباركة الشريفة في المسجد النبوي على صاحبه ألف ألف صلاة وتحية، ولو كمل هذا السعي الجميل فلا يستبعد أن يكون تأويل رؤياي التي رأيتها بالمدينة المنورة في أوائل سنة أربع وثمانين وثلاث مائة وألف من الهجرة، وسيأتي تفصيلها حيث نذكر الكلام على عدم ذكر الإمام البخاري الحمد والصلاة في بداية كتاب "الجامع الصحيح" إن شاء الله تعالى.
(١) وقد طبع هذا الكتاب بتحقيقنا على نفقة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة الإمارات العربية المتحدة.