للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما تقدم، والثاني: التنبيه على أن أقوال المرء وكلامه أيضًا داخلة في الأعمال، إذ القول عمل من الأعمال، فكما أنها توزن الأفعال، كذلك توزن الأقوال وما يتكلم به الإنسان، وحديث الباب صريح في الجزء الثاني حيث قال في حق كلمتان أنهما ثقيلتان في الميزان، وأما بقية الأعمال فيقاس على ذلك.

وفي هامش "اللامع" (١): ثم اختلفوا في أنه هل يوزن الإيمان أم لا؟ وذكر السيوطي في "الحاوي" منظومًا بسيطًا في السؤال والجواب عن ذلك، وحاصل الجواب أن الحكيم الترمذي صرّح في "نوادره"، وعنه أخذ القرطبي في "تذكرته": أن الوزن يختص بالأعمال، والإيمان لا يوزن؛ لأنه لا بد للوزن من وجود ما يقابله، ومقابل الإيمان ليس إلا الكفر، والإيمان لا يجتمع مع الكفر أصلًا، فلا ضدّ له يوزن بمقابله، وأما ما ورد في حديث البطاقة فالمراد به ذكره هذه الكلمة بعد الإيمان، وهو من أعظم الحسنات، فتوزن مع الحسنات، انتهى.

قال العلامة القسطلاني (٢): ثم إن ظاهر قول البخاري: "وأن أعمال بني آدم وقولهم توزن" التعميم، وليس كذلك، بل خص منهم من يدخل الجنة بغير حساب وهم السبعون ألفًا، كما في البخاري، فإنه لا يرفع لهم ميزان ولا يأخذون صحفًا، وإنما هي براءات مكتوبة كما قاله الغزالي، وكذلك من لا ذنب له إلا الكفر فقط ولم يعمل حسنة، فإنه يقع في النار من غير حساب ولا ميزان، انتهى.

وقال صاحب "الجمل" (٣): ولا يكون الوزن في حق كل أحد؛ لأن من لا حساب عليه لا يوزن له كالأنبياء والملائكة، والوزن يكون للمكلّفين من الجن والإنس، انتهى.


(١) "لامع الدراري" (١٠/ ٤٠١، ٤٠٢).
(٢) "إرشاد الساري" (١٥/ ٦٣٠).
(٣) "الفتوحات الإلهية" (٣/ ١٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>