للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الحافظ (١): النكير المبالغة في الإنكار، وقد اتفقوا على أن تقرير النبي - صلى الله عليه وسلم - لما يفعل بحضرته أو يقال ويطلع عليه بغير إنكار دال على الجواز؛ لأن العصمة تنفي عنه ما يحتمل في حق غيره مما يترتب على الإنكار، فلا يقرّ على باطل، فمن ثم قال: "لا من غير الرسول" فإن سكوته لا يدلّ على الجواز.

وأشار ابن التِّين إلى أن الترجمة تتعلق بالإجماع السكوتي، وأن الناس اختلفوا، فقالت طائفة: لا ينسب لساكت قول؛ لأنه في مهلة النظر، وقالت طائفة: إن قال المجتهد قولًا وانتشر لم يخالفه غيره بعد الاطلاع عليه فهو حجة، وقيل: لا يكون حجة حتى يتعدد القيل به، ومحل هذا الخلاف أن لا يخالف ذلك القول نص كتاب أو سُنَّة، فإن خالفه فالجمهور على تقديم النص، واحتج من منع مطلقًا أن الصحابة اختلفوا في كثير من المسائل الاجتهادية، فمنهم من كان ينكر على غيره إذا كان القول عنده ضعيفًا، وكان عنده ما هو أقوى منه من نص كتاب أو سُنَّة، ومنهم من كان يسكت، فلا يكون سكوته دليلًا على الجواز لتجويز أن يكون لم يتضح له الحكم، فسكت لتجويز أن يكون ذلك القول صوابًا وإن لم يظهر له وجهه، انتهى.

وقال القسطلاني (٢): قوله: "حجة" لأنه لا يقر أحدًا على باطل سواء استبشر به مع ذلك أم لا، لكن دلالته مع الاستبشار أقوى، وقد تمسك الشافعي في القيافة واعتبارها في النسب بكلا الأمرين الاستبشار وعدم الإنكار في قصة المدلجي، وسواء كان المسكوت عنه ممن يغريه الإنكار أو لا، كافرًا كان أو منافقًا، والقول باستثناء من يزيده الإنكار إغراءً، حكاه ابن السمعاني عن المعتزلة بناء على أنه لا يجب إنكاره عليه للإغراء، قال: والأظهر أنه يجب إنكاره عليه ليزول توهم الإباحة والقول باستثناء ما إذا كان الفاعل كافرًا أو منافقًا قول إمام الحرمين بناءً على أن الكافر غير مكلف بالفروع، إلى آخر ما ذكر.


(١) "فتح الباري" (١٣/ ٣٢٣، ٣٢٤).
(٢) "إرشاد الساري" (١٥/ ٣٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>