للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشرع، وأما هذه الترجمة الثانية فيه من باب الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة.

والحاصل: أن من اجتهد ثم علم أنه خلاف السُّنَّة فاجتهاده مردود، فقد قال الحافظ: قال ابن بطال (١): مراده أن من حكم بغير السُّنَّة جهلًا أو غلطًا يجب عليه الرجوع إلى حكم السنة، وترك ما خالفها امتثالًا لأمر الله تعالى بإيجاب طاعة رسوله، وهذا هو نفس الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة.

ويمكن أن يقال: إنه أشار بهذه الترجمة الثانية إلى مسألة أصولية شهيرة، وهي: هل المجتهد يخطئ ويصيب أو كل مجتهد مصيب، وإلى هذا أشار صاحب "الفيض" (٢) إذ قال: وعند الترمذي: أن المجتهد إذا اجتهد فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر، انتهى.

قال القسطلاني (٣): قال أبو الحسن الأشعري والقاضي أبو بكر الباقلاني وأبو يوسف ومحمد: المسألة التي لا قاطع فيها، كل مجتهد فيها مصيب، ثم قال بعد ما بسط الكلام على المسألة: وقال الجمهور - وهو الصحيح -: المصيب واحد، إلى آخر ما بسطه.

وقال النووي بحثًا على المسألة: كل مجتهد مصيب، وهذا هو المختار عند كثير من المحققين أو أكثرهم، والمذهب الآخر المصيب واحد والمخطئ غير متعين لنا والإثم مرفوع عنه، انتهى.

وفي "نور الأنوار" (٤): المجتهد يخطئ ويصيب، والحق في موضع الخلاف واحد، ولكن لا يعلم ذلك الواحد باليقين، فلهذا قلنا بحقية المذاهب الأربعة، وهذا مما علم بأثر ابن مسعود في المفوضة، انتهى.

قال الحافظ (٥) في شرح الحديث الآتي في الترجمة الآتية: قال المازري (٦): تمسّك به كل من الطائفتين من قال: إن الحق في طرفين،


(١) "شرح ابن بطال" (١٠/ ٣٨٠).
(٢) "فيض الباري" (٦/ ٥٣٦).
(٣) "إرشاد الساري" (١٥/ ٣٥٤).
(٤) "نور الأنوار" (ص ٢٤٦).
(٥) "فتح الباري" (١٣/ ٣٢٠).
(٦) "المعلم" (٢/ ٢٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>